24 آذار خديعة أم وقيعة؟!
يُمسك كثيرون عن انتقاد الحراك والحراكيين لأسباب أولها أن أعضاء الحراك امتلكوا صوتا عاليا وتُهما جاهزة لكل مُنتقد، ثانيها أن الأداء الحكومي والرسمي سهّل مهمة الحراكيين وصعّب مهمة اي مُنتقد خشية مِن الاتهام بالتسحيج للحكومة بعد أن تم اختصار المشهد، بين ثنائيتين « السحيج والحراكي « , قبل ان ينضم الى السحيج رفيقه الشبيح في مواجهة الثوري أو الحراكي , ومِن سلبيات القطبية أو الثنائية ضياع الحقيقة بضياع التيار الثالث الذي عادة ما يحمل منهجا إصلاحيا واقعيا .
غياب التيار الثالث هو الذي أفضى إلى ما وصلت اليه الحال في ساحات عربية كثيرة عانت من آثار القطبية ودخلت في دوامة العنف كالحالة المصرية واليمنية ومنها من دخل الى التفكك الوطني كما في ليبيا وانفردت تونس بالهروب من التفكك والعنف بانحياز حركة النهضة الى الديمقراطية بدَل انحيازها الى السلطة لتشكل طريقا ثالثا للتونسيين في درس عجزت عنه الحركات الاسلامية في مصر وليبيا وسوريا وحتى الاردن .
الحراك الحزبي دخل الأردن بعد الحراك الشعبي ابتداءً، ما جعل الحراك خاليا من التنظيم والتأطير وخاليا من شوائب الاجندات السياسية وتشابكاتها مع الساحات المجاورة والبعيدة، ما أضفى عليه شرعية في مطالبه وعطفا شعبيا , فهو في البداية كان يرفع شعارات مطلبية خاصة في المحافظات التي تُعاني من تهميش وتهشيم في بنيتها الاجتماعية والاقتصادية , وكان بوسع الحكومات حينها التعاطي الجاد مع المطالب وعدم التسويف والتلكؤ للتوصل الى حلول وتسويات غير مكلفة سياسيا ولكنها اضاعت الفرصة .
فدخل الربيع العربي الأجواء الإقليمية ونزلت الأحزاب الى الشوارع كما في الاردن بعد الحراكات الشعبية , فقطفت الأحزاب حراك الشباب واستأثرت الجماعات الإسلامية بقطاف الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا , ما حمّس الشعور عند الجماعة في الاردن وباقي اطياف الموزاييك السياسي التابع للأخوان بصيغة التحالف , الى الالتحاق بالشباب كي يشاركوا بحصد الثمار متأثرين بواقع الساحات العربية وقافزين عن طبيعة التركيبة الاردنية المعقدة .
ولما كان الأمر يتطلب استنساخ التجارب العربية لقطف نفس الثمار انتجت الحالة الحزبية ضرورة وجود ميادين وخيام وجماهير تنام في الميادين , فكان الخيار ميدان جمال عبد الناصر « دوار الداخلية « هو الهدف لإنتاج الحالة وقطف نفس الثمار , وهنا كانت الخديعة للشباب المُستقل الذي ألهب خياله مشهد الميادين والساحات فوقع في الخديعة برضاه واغفل الخطوة التالية من الاختيار وهي الوقيعة .
فميدان جمال عبد الناصر نقطة تلاقي استراتيجية بين عمان الشرقية وعمان الغربية وهو على حواف اللجوء وعلى مشارف الطريق الى الشمال وكان المقصود بالضبط انتاج الوقيعة بين عمان شرقها وغربها فراح الشباب الحالم بخيمة في الميدان الى الفخ دون تمحيص او قراءة للظرف الوطني الاردني فالخديعة الوصول الى الوقيعة وسيلان دم في عمان , كي تستحصل الأحزاب وتحديدا تلك التي ذاقت حلاوة السلطة في تونس ومصر على نفس الحلاوة , فالظروف مشرَّعة والاقليم يشتعل وامريكا تدعم وتنتظر .
حالة 24 اذار إذن ليست حالة تراكمية , بمعنى انها لم تكن نتاج تراكم العمل الحراكي لإنتاج حالة ضغط على الحكومة , بل كانت حالة تنضيج قسري لظرف موضوعي لم يكتمل , فوقعت في شرَك الشعار الغامض والشعار المرفوض على المستوى العام ففقدت العطف وانتجت حالة من الفزَع لدى الشارع الشعبي الذي كان متعاطفا مع الحراك في شقه المطلبي كاملا، وكان متعاطفا وطالبا وطامحا بالإصلاح السياسي التدريجي وفق الوصفة الاردنية الخالصة وليس الوصفة المستوردة من الإقليم العربي , او المُستنسخة من ساحات مصر وتونس , خاصة أن الوصفة الاردنية كانت تُطبخ على نار هادئة في لجنة الحوار الوطني .
إحياء ذكرى 24 أذار فيه إيحاء أكثر مما فيه إحياء , لأن الإحياء يكون لأمر ناضج ومقبول شعبيا وهذا لم يتوافر في اذار لذلك لا نريد للشباب مجددا ان يقعوا في الخديعة لإيصال ايحاء لا يخدم الا من انتج الوقيعة والخديعة , وهناك المزيد .
الدستور