ويكيليكس الأردن: علينا أن ننظر إلى أنفسنا في المرآة!
أثارت برقيات السفارة الأميركية في عمان والمنشورة على موقع ويكيليكس منذ الأسبوع الماضي خاصة التي تم ترجمتها حتى الآن أو تلخيصها الكثير من ردود الفعل السلبية وهذا متوقع، لأن هذه البرقيات كشفت الكثير من العيوب في النخبة السياسية الأردنية وحتى في المجتمع نفسه وإذا اعتبرناها مرآة ننظر فيها إلى أنفسنا وإلى نخبنا السياسية فإن ما نراه لا يمكن أن يعجبنا أو يثير ارتياحنا ابدا.
بعض ردود الأفعال إنحازت فورا إلى نظرية المؤامرة وتساءلت عن التبرير في «توقيت نشر البرقيات الآن» كما تساءل البعض عن دور «ويكييليكس»-بعض التعليقات في المواقع الإلكترونية اعتقدت بأنه شخص- في خدمة الأهداف الأميركية. تناسى هؤلاء أن ويكيليكس هي عدو الدبلوماسية الأميركية رقم واحد حيث كشفت كل اسرارها بالرغم من محاولات مستميتة من الولايات المتحدة لمنع نشر البرقيات. كما أن الموقع قام بتحميل 250 ألف وثيقة في الاسبوع الماضي منها 4 آلاف وثيقة من السفارة الأميركية في عمان وهي تمثل نقطة في بحر هذه الوثائق ولا يوجد أحد في موقع ويكيليكس معني أو حتى مدرك لتفاصيل «الوضع السياسي الداخلي في الأردن» حتى يهدف إلى نشر هذه البرقيات في هذا التوقيت بالذات. من المهم الذكر ايضا بأن الموقع قد قام الآن بنشر كافة البرقيات المتوفرة لديه منذ حوالي سنتين ولا توجد برقيات أخرى على الطريق كما حاول بعض الزملاء والمواقع الإخبارية التحضير لها، إلا إذا قام شخص ما من داخل وزارة الخارجية الأميركية بتسريب مجموعة جديدة من البرقيات إلى موقع ويكيليكس.
البرقيات التي تمت ترجمتها في الأردن منتقاة فهي الأكثر إثارة من الناحية السياسية وقد تم استخدامها كأداة لإعادة تحريك حالة الاستقطاب السياسي والديمغرافي في الأردن إما عن طريق استهداف شخصيات معينة ورد ذكرها في البرقيات والبحث عن كل ما كتب بشأنها وترجمته او اختيار مواقع معينة من جدل الهوية الوطنية والتركيز عليه كذخيرة في الجدل الداخلي المستمر حول مسألة الهوية. اللوم لا يقع فقط على تلك الشخصيات التي فتحت ابوابها للدكتور فيل القابع في السفارة الأميركية بل ايضا على طريقة انتقاء البرقيات فلم تقم اي جهة حتى الآن بترجمة برقية ذات مضمون منصف لأن ذلك لا يتضمن عنصر الإثارة المطلوبة، ولكن حتى البرقيات المثيرة لم تجد كلها طريقها للترجمة ولا زال هنالك العديد من المفاجآت الساخنة!
في واحدة من أهم وأخطر البرقيات التي لم تترجم حتى الآن يطرح سياسيان مخضرمان أمام السفير الأميركي مسألة أن الأردن كدولة ومجتمع ليس جاهزا بعد لمواجهة لحظة الحقيقة والتي تتمثل في أن قرار حق العودة لن يحدث بالوصف والخصائص التي هي مطروحة من قبل الجانب الفلسطيني والعربي وأن نسبة كبيرة من المواطنين الأردنيين من أصول فلسطينية سوف يقررون البقاء في الأردن سواء برغبتهم أو نتيجة صعوبة التوصل إلى حل سياسي يضمن عودتهم. هذا الكلام صحيح بغض النظر عن الطريقة التي يصاغ بها، وسوف نجد أن «لحظة الحقيقة» هذه قد تبدو أكثر قربا مما نتصور فإعلان الدولة الفلسطينية النظرية في الأمم المتحدة سيطرح الكثير من الإشكاليات فيما يتعلق بخصائص هذه الدولة من ناحية عدد السكان والمواقع الجغرافية ومستوى السيادة وبالتالي كافة المسائل الحساسة الخاصة بحق العودة، وهذا ما جعل وزير الخارجية ناصر جودة يصرح بشكل استثنائي قبل أيام بأن الأردن سوف يطالب بإعلان دولة فلسطينية تحقق المصالح الإستراتيجية الأردنية.
الطريقة التي يتم بها مواجهة إشكالية الهوية عبر السفارة الأميركية سواء من قبل دعاة المحاصصة أو من دعاة استعادة الدولة من «الغزاة»، والذين قابلوا السفير الأميركي ايضا ولكن دون ضجة إعلامية هي الطريقة الأسوأ لمعالجة هذا التحدي السياسي الخطير. كذلك الأمر في طريقة تحريض الرأي العام وراء مواقف محددة ومن المهم أن يتم سحب بساط «إدعاء» الحديث باسم مجموعات الأردنيين من أصل فلسطيني أو شرق الأردنيين من هذه النخب المأزومة وفتح نقاش وطني يشارك فيه كافة المواطنين الذين يكنون الولاء لبلدهم ومستقبل ابنائهم في وطن آمن ومستقر.
يجب أن نعرف أننا في مركب واحد ومن يحاول أن يعبث به سيغرقنا جميعا، والعابثون ليسوا من جهة واحدة فقط وبعضهم حاول الاستعانة بالسفارة الأميركية وقد كشفتهم البرقيات ولكن بعضهم الآخر يعبث بتاريخ وبنية الوطن ويحرض سكانه على بعضهم البعض وهذا أخطر أنواع العبث.
الدستور