هيئة النسور الإدارية
أليس من اللافت أن تشكيل الحكومات وإعادة تشكيلها وتعديلها، بات في الأردن أمراً عادياً، وأسهل بكثير من إنشاء جمعية خيرية عادية، في أبعد القرى النائية في البلاد؟
هذا ليس سؤالاً للهُزء، ولا ينبغي الإشارة إلى أن الحكومات تفتقر إلى الإرادة الشعبية، التي توازيها الإرادة الأهلية في حالة الجمعيات الخيرية؛ كما أنه لا يجب القول إن الجمعيات أهم من الحكومات؛ لكنه يثير تساؤلاً تالياً حول النخبة السياسية إن كانت ترى في الحكومة شيئاً أهم من هيئة إدارية لجمعية أو نادٍ، في حي أو قرية، وحول النخب السياسية ذاتها إن كانت مضطربةً إلى الحد الذي لا يمكنها من تقديم حكومات قادرة على الحياة، مدتها كاملة، من دون تعديل وإعادة تشكيل.
ويبقى السؤال الأساسي يدور حول الحياة السياسية في البلاد: أين وصلت؟
لقد بات من المعروف أن تشكيل الحكومات الجديدة محكوم بسببين إثنين: إما الحاجة إلى تغيير الوجوه، أو استقدام أشخاص لديهم الاستعداد لتنفيذ ما تتخوف الحكومة الموجودة من تنفيذه. وأن التعديل وإعادة التشكيل يستهدفان على الأغلب إطالة عمر الحكومة الموجودة، ومنحها مهلة جديدة، برغم أن إعادة التشكيل الجديدة، التي تطيل عمر الحكومة، قد تقصر من عمر البلاد والعباد!
السؤال التالي، هو: ماذا نعرف نحن، فعلاً وفي الواقع، عن أسباب تشكيل الحكومات الجديدة وإعادة تشكيلها وتعديلها، وهو الأمر الذي حدث خلال خمسة عشر عاماً ماضية نحو ثمان وعشرين مرة، ما بين تشكيل جديد وإعادة تشكيل وتعديل؟ لا شيء، على الإطلاق، سوى تقديرات وتسريبات إعلامية.
أستطيع أن أفهم أن أغلب المواطنين ليسوا معنيين بما يحصل في جمعية مليح الخيرية، مثلاً. وأن تعتبرهم الهيئة الإدارية للجمعية غير ذوي شأن، فلا تجد نفسها ملزمة بإخطارهم بما يجري فيها، إذ هي مجرد منظمة محلية. ولكني لا أفهم كيف يمكن أن تعتبر النخبة السياسية مواطني بلادها غير معنيين بالأسباب الفعلية لتعديل حكوماتهم القائمة أو إقالتها ودواعي تشكيل أخرى جديدة تحكمهم.
لقد جرى في الفترة الماضية الحديث كثيراً عن الإصلاح والمشاركة؛ ولكن كيف يمكن أن يكون هناك إصلاح ومشاركة إذا كان تشكيل الحكومات وإقالتها وتعديلها شأناً خاصاً، يمكن أن لا يعرف أحد بأسبابه ولا موجباته. لا الأعيان المعينين، ولا النواب المنتخبين، ولا الأحزاب والقوى السياسية في البلاد.
ويبدو جلياً، أن ذلك لم يعد أمراً يستوجب الانتباه إلى أي اعتبارات من أي نوع؛ لقد سبق أن خرج المزاج الشعبي العام من إطار هذه الاعتبارات منذ زمن، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، ووصل اليوم إلى تجاهل ما هو أقل من تلك الاعتبارات، إلى أن أضحت الحكومة من حيث تشكيلها وإعادة تشكيلها وتعديلها مثلها مثل الهيئة الإدارية لجمعية خيرية في قرية نائية، لا تعني سوى فئة محددة من الأردنيين.
والفارق الأكيد هو أن هذه الفئة المعنية، في حالة الجمعية، معروفة وتملك الحق في تحديد مصير الهيئة الإدارية بحكم أنها تتأثر بقراراتها؛ بينما في حالة الحكومة، التي تؤثر على مصيرنا جميعاً، على نحو يومي، فإن الحق في معرفة ما يجري في مجلسها ومع تشكيلتها، بالتشكيل وإعادة التشكيل والتعديل، هو حق محصور بفئة مبنية للمجهول، تملكه وحدها، دوناً عن أغلب المواطنين، الذين يُعتبرون هنا غير ذوي شأن، ولا ضرورة لإخطارهم بما يجري في "الوزارة" ومعها. وأخشى الاسترسال، هنا، في هذه التداعيات.
إنها، كما أرى، تقودني إلى التراجع عن كلامي في مقدمة هذا الحديث في المفاضلة بين الحكومة والجمعية؛ والتحول إلى القبول بالقول أن حكوماتنا أدنى في نظام تشكيلها، واختيار أعضائها، وفي استقرارها السياسي، وفي مصداقية تمثيلها، من الجمعيات الخيرية الفقيرة؛ لذا، علي أن أقصر القول على ما قلت، وأختم بالتهنئة:
مبروك للنسور هيئته الإدارية الجديدة!
- ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.