في خضم الأزمات الاقتصادية التي يمر بها الأردن، يجد المواطن الأردني نفسه أمام تحديات مالية خانقة، خاصة في ما يتعلق بتأمين مسكن يلبي احتياجات أسرته. بين إيجارات تتصاعد وأقساط قروض تزداد بمرور الزمن، تأتي مبادرات البنوك لتمويل شراء الشقق السكنية كخيار جذاب، لكنها تنطوي على محاذير اقتصادية واجتماعية قد لا يدركها المواطن بشكل كامل. تتضمن هذه المبادرات قروضًا بفائدة ثابتة تصل إلى 4.99% لمدة ثلاث سنوات فقط، لتصبح بعد ذلك خاضعة للتقلبات، ما قد يعرّض المقترضين لأزمات مالية طويلة الأمد. في هذا المقال، نناقش المخاطر المحتملة لهذا النوع من التمويل وكيف يمكن للحكومة أن تتبنى حلولاً أفضل في ظل هذه الظروف.
محاذير اقتصادية واجتماعية لمبادرات القروض السكنية
1. مخاطر أسعار الفائدة المتقلبة
على الرغم من إغراء نسبة الفائدة الثابتة في السنوات الثلاث الأولى، التي تقف عند 4.99%، إلا أن تغيّر الفائدة بعد هذه المدة يمثل خطرًا كبيرًا؛ فقد ترتفع النسبة بشكل حاد إلى 10% أو أكثر، وهذا يؤدي إلى زيادة عبء الأقساط الشهرية على المواطن. العديد من المقترضين قد يستنفدون مواردهم المالية في البداية، ولا يكونون مستعدين لتكاليف إضافية مستقبلية، مما يجعلهم عرضة لأزمة مالية خانقة.
2. عبودية الديون طويلة الأمد
إن القروض الممتدة على مدى 25 عامًا، أي ربع قرن، تربط حياة الأسر الأردنية بهذا الالتزام المالي الطويل. هذا القرض الذي يبدو "ميسرًا" قد يعني دفع المواطن لضعفي ثمن الشقة الأصلي، ويحد من قدرته على تأمين احتياجات أخرى كالتعليم والصحة، مما يحصر العائلات في نمط حياة تقشفي مجهد قد يمتد لسنوات طويلة.
3. تأثير القروض على الاستقرار المالي والاجتماعي
غالبًا ما يؤدي استنزاف الرواتب لصالح الأقساط البنكية إلى تأثر استقرار الأسر الاقتصادي والنفسي، حيث يجد المقترضون أنفسهم غير قادرين على الإنفاق على تعليم أطفالهم أو تحسين وضعهم الصحي. هذه الحالة تؤدي إلى انعكاسات نفسية واجتماعية سلبية على أفراد الأسرة، وخصوصًا الأجيال القادمة التي ستعاني من هذه التبعات المعيشية.
4. انحسار السيولة في السوق المحلي
عندما يلتزم المواطنون بسداد أقساط شهرية كبيرة، يتقلص حجم السيولة المتاحة في الأسواق المحلية. عوضًا عن ضخ المال في الاقتصاد، يُحوَّل جزء كبير منه إلى البنوك كأرباح، ما قد ينعكس سلباً على الاقتصاد المحلي، ويضعف القوة الشرائية في القطاعات الاستهلاكية، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تباطؤ اقتصادي.
5. التأثيرات التضخمية في قطاع العقارات
توفر هذه القروض قد يشجع المزيد من المواطنين على شراء العقارات، ما يزيد الطلب على الوحدات السكنية ويؤدي إلى ارتفاع أسعار العقارات. هذا التضخم في أسعار العقارات يضع المواطن تحت ضغط إضافي لشراء شقق بأثمان مرتفعة، مما يعني مضاعفة عبء القروض بشكل أكبر، ويجعل من تملك الشقق عبئاً أكبر من المتوقع.
6. غياب دور إشرافي حكومي حقيقي
مع أن المبادرة قد تكون مستندة إلى رؤية اقتصادية، إلا أن الاعتماد الكامل على البنوك يجعل الشروط قابلة للاستغلال لصالحها. هذا الأمر يتطلب دوراً حكومياً حقيقياً، يتمثل في توفير مساكن بأسعار مناسبة بعيداً عن الربح المرتفع، كما كان الحال في الماضي مع مشاريع إسكان مثل أبو نصير وإسكانات معان. هذا النهج الحكومي قد يسهم في توفير مساكن بجودة مقبولة للمواطنين دون رهن مستقبلهم للبنوك.
7. دور حكومي مقترح لتخفيف العبء السكني
يتعين على الحكومة أن تتبنى سياسات إسكانية مستدامة، وتعمل على تقديم قروض مباشرة بفائدة منخفضة أو حتى دعم سكني مباشر. كما يمكنها التعاون مع صندوق استثمار الضمان الاجتماعي ووزارة المالية والنقابات المهنية لتطوير وحدات سكنية ميسرة تستند إلى معايير هندسية عالية الجودة، بما يضمن توفير مساكن ملائمة تساهم في تعزيز الاقتصاد وتوفير الأمن الاجتماعي بعيداً عن التقلبات المالية القاسية.
مع أن مبادرات القروض السكنية قد تبدو حلاً سهل المنال لمشكلة الإسكان، إلا أن غياب الرقابة والضمانات للفائدة المستقرة بعد السنوات الثلاث الأولى قد يجعل منها قيداً طويل الأمد يثقل كاهل المواطن. إن تجاهل الدور الحكومي في بناء مساكن منخفضة التكلفة سيؤدي إلى استمرار المواطنين في دائرة الديون القاسية أو مواجهة ارتفاعات حادة في الإيجارات.
لذلك، من الضروري أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها في تأمين السكن الكريم للمواطنين، وأن تعتمد استراتيجيات إسكانية متوازنة تضع مصلحة المواطن فوق أي اعتبار. إن إعادة النظر في سياسات الإسكان والإقراض تعد خطوة أساسية لحماية الأسر الأردنية من ضغوط الديون طويلة الأمد، ولضمان بقاء الاقتصاد المحلي في حالة من الاستقرار والسيولة بما ينعكس إيجاباً على كافة جوانب حياة المواطنين.