أن ما دعا لطرح هذا السؤال، ما تعيشه الساحة الحزبية من تيهٍ عام يتعمق عندما يتعلق الأمر بالأشخاص ذوي الإعاقة. من خلال المشاركة في أحد المؤتمرات التي نظمها مركز القدس للدراسات السياسية في اختتام حملته الوطنية لحفز المشاركة ومغادرة العزوف خُصصت إحدى جلستيه لمناقشة دور الأحزاب السياسية في حفز المشاركة، والاستماع لتجربتها في خوض الانتخابات وما واجهت من تحديات وكيف تنظر للمرحلة القادمة.
اللافت للانتباه ما ظهر من قصورٍ أو ضعف معرفة عندما يتعلق الأمر بالناخبين ذوي الإعاقة ومخاطبتهم كناخبين، فعند طرحٍ سؤالٍ على أحزابٍ سياسية وصلت للبرلمان بمجموع نوابٍ يتجاوز نصف عدد أعضاء المجلس حول كيفية مخاطبة برامجها الانتخابية للأشخاص ذوي الإعاقة وما إذا كانت هذه البرامج دامجة أم لا، تنوعت الردود على النحو التالي:
حزبٌ لم يتطرق للإجابة على السؤال وآخر اكتفى بالحديث عن برنامج حزبه وليس عن برنامجه الانتخابي دون تفصيل أو توضيح داعياً للاطلاع على البرنامج، أما الحزب الثالث فأشار بإجرائه لقاءً مع المؤسسة الرسمية المعنية بهذا الملف وهي المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، أما الحزب الأخير فأشار بتضمين قضايا وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في وثائق الحزب وضمان ذلك بالشكل اللائق حتى وإن لم يكن الأشخاص ذوي الإعاقة متواجدين!
إن تفاعل الأحزاب السياسية لا يبعث برسائل إيجابية حول وعيها بأدوارها كمؤسساتٍ للتنشئة السياسية وإنتاج النخب وتقديم برامج وحلول لقضايا المجتمع بكافة شرائحه ومخاطبتهم بها على قدمٍ من المساواة، حيث يظهر بشكلٍ جلي عدم اهتمام الأحزاب السياسية بشريحة الأشخاص ذوي الإعاقة، كما يعكس ضعف الممارسة الحزبية من الأحزاب التي تعد نخبويةً استناداً لما حققته من نتائج في الانتخابات النيابية.
بناءً على ما سبق هناك رسالتين أساسيتين ينبغي توجيههما الأولى للأحزاب السياسية ومفادها أن الحزب السياسي هو مؤسسة لإنتاج النخب السياسية وليس إعادة انتاج نخبٍ سياسية، كذلك فإن الحزب الذي يهدف للوصول للبرلمان والسلطة عليه أن يكون ممثلاً لكافة شرائح المجتمع في صفوفه وهياكله الداخلية وليس فقط في سطوره، فحتى الأيديولوجيات على اختلافها يساريةً أو دينية لم تكن لتغفل حضور المجتمع وتفاعلها معه فالمجتمعات هي الحواضن للأيديولوجيات والرافع لها، فالعمال كانوا العنوان العريض للأيديولوجيا اليسارية دون تميزٍ بينهم، كذلك فإن سيدنا محمد صل الله عليه وسلم كان يُولّي أبن أم مكتوم على المدينة، مما يعني بأن الأشخاص ذوي الإعاقة هم الأقدر على تمثيل أولوياتهم والمساهمة في صياغتها بالشكل اللائق دون وصاية من أحد فمن يطلب التمثيل العادل والديمقراطية الناجزة من الأحزاب السياسية عليه أن يمارسها في هياكله الداخلية.
الرسالة الثانية وهي الأكثر أهمية وتأثير موجهةٌ للأشخاص ذوي الإعاقة ومنظماتهم ومختلف منظمات المجتمع المدني العاملة معهم إن حصة المواطن في النظام السياسي هي مجلس النواب فالنظام السياسي نيابي ملكي وراثي، والملك كان ضامناً لمسار التحديث السياسي الذي انطلق ويقع الدور الكبير الآن على عاتق المجتمع بأن يملأ الفضاء العام، وعلى الأشخاص ذوي الإعاقة أن يكونوا جزءًا من مداولات هذا الفضاء. فالأحزاب السياسية هي من سيشكل المجالس النيابية المتعاقبة بكتلها ولجانها، وسنكون على موعدٍ مع برلماناتٍ حزبية، مما يعني أن العمل السياسي والانخراط بفاعلية يجب أن يبدأ لفرض أجندة وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على الأحزاب السياسية فهي اليوم تغيب عن هذا الملف بشكلٍ شبه تام.
ختاماً يجدر القول بأن الأردن ينظم بالشراكة مع ألمانيا والتحالف الدولي للإعاقة القمة العالمية للإعاقة في نيسان 2025 ويجب أن يكون مجلس النواب بأعضائه وأحزابه جزءًا من هذا الحدث وأكثر إحاطةً وعملاً على هذا الملف بحقوقية وبمساراتٍ دامجة بعيداً عن أية موروثاتٍ تتضارب وفكرة العمل الحزبي الصحيح فالحزب السياسي الذي لا يتعاطى ويشتبك مع كافة الملفات وشرائح المجتمع سيبقى عمله الحزبي قاصراً ومبتوراً.
انتهاءً فإن ما يظهر منذ إقرار قانون الأحزاب السياسية لسنة 2022 أن لا دوراً حقيقياً للأحزاب في حفز المشاركة للأشخاص ذوي الإعاقة، والسبب يعود لضعف الممارسة الحزبية والوعي بديناميات العمل الحزبي من جهة وضعف اشتباك الأشخاص ذوي الإعاقة في ميادين التحديث السياسي من جهةٍ أخرى.