-1-
كانت بلدية اربد قد تأسست قبل ان يوغل القرن العشرين ببدء عقوده العشرة ، تبعتها بعد جيل كامل بلدية عمّان التي صارت في عهد الملك المؤسس عاصمة الأردن ، وصارت اليوم عاصمة من السحاب والأسهم والعمران ، وبقيت اربد بائسة إلا من سهولها وبقية ممن أقعدهم السير عن موسم الهجرة الى ( عمّان)..!
-2-
اربد ، هذه القرية التي كانت مطلع القرن المنهزم بعقوده ، ما بين تأسيس الدول العربية وما بين انكسارها ، كانت بمعايير العقد الاول ، مدينة ناشئة كان يجب ان تكون اليوم إحدى أهم مدن بادية الشام كلها ، في الوقت التي تزداد هي اليوم تراجعا نوعيا ، وعدم اندماجها مع موجة التقدم والتغير التي طالت العالم العربي كما طالت بقية العالم ، مدينة كان يجب ان تكون لكنها ليست كذلك رضي من رضي وغضب من غضب ، يحزنك ان تقرأ في موقع البلدية ان 98% من الابنية مشمولة بالخدمات ، استعلاء أجوف لا تجد هذا الرقم الاستعلائي الفارغ في مدينة بتقدم اسطنبول التي قاد رئيس بلديتها تركيا الى عهد فوق مقاييس الشرق التي نعرف ، لا يعرف رؤوسا البلديات ولا وزارات الإشغال أن الخدمات لا تقاس على هذه الشاكلة الفجة ، فاربد مدينة بلا خدمات بلا تنظيم بلا تطور، بلا موازنة ايضا..!
-3-
تبلغ ميزانية أمانة العاصمة اليوم أكثر من 400 مليون دينار ، ما يعادل عشرين مرة ميزانية بلدية اربد ، ونصف المعشار هذا الذي تمتلكه بلدية اربد ، ذاهب في جله لرواتب موظفيها ، الذين جاء بفعل طغيان العوامل الانتخابية لا عوامل التنمية ، على التعيينات التي يفترض أن تخدم البنى التحتية لا ان تخدم السادة رؤوسا البلديات الكرام ، عندما كانت بلدية اربد بقيادة ما يسمى بخرزات اربد كانت التعينات تتم بالكوتا بينها ، ولما صارت بأيدي القومين واليسار لم يكن بالامكان ولوج مبنى البلدية من دخان السجائر ، ولما صارت الى الإسلاميين صار الأفاضل أصحاب اللحى هم الذين يملاؤن مباني البلدية ، من الممكن ان تجد قوميا او إسلاميا او عشائريا يحمل دبلوم لغة عربية يتولى قسم المحاسبة ، غابت الإدارة والتخطيط غابت التنمية بكل اتجاهاتها فأنجبت هذه القرية التي تكبر بعدد سكانها ومبانيها ، وتتراجع إلى ما دون المدن في كل مسارتها ..!
-4-
قبل ثلاثين سنة كان في اربد فندقا ، في معايير ذلك الوقت يساوى فنادق عمان ، اليوم في عمان مئات الفنادق متعددة الجنسيات تتباهي بالنجوم الخمس والأربع ، واربد التي ربما تقترب من المليون مواطن على المدى القريب ليس فيها فندق واحد يليق بعام 2010 حيث تسابق السياحة العصر ، في اربد ثلاثة شوارع ، فلسطين والسينما والجامعة من الممكن -ولا يزيد بعضهم عن الكيلو متر واحد -، ان تستغرق قطع الشارع بسيارتك الخاصة ساعة كاملة ، في الوقت الذي ثقبت أمانة عمان جبالها السبعة بأنفاق تستغرق الرحلة من شمال عمان الى جنوبها عبر الأنفاق والجسور المعلقة ما دون النصف ساعة ، في اربد اليوم لا يوجد مطعم سياحي واحد من الممكن ان يليق بضيف قادم من خارج الاردن تقول له هذه مدينة ، يزور بعض الرؤساء العرب والأجانب دولا عربية وتكون الاجتماعات في مدن غير العاصمة ، فلو قدر للأردن ان تستضيف قمة عربية جديدة على غرار قمم عديدة استضافتها عمّان ، واربد على الافتراض مدينة الاردن الثانية ، فاننا نحتاج اليوم الى اقامة مدينة اخرى خارج حدود القرية القائمة والمكتظة والتي لا تصلح الا للباعة المتجولين وحسبة الخضار التي تعتقد البلدية اليوم أن إزالتها سيصنع مدينة ، لو أرادت اربد ان تستضيف قمة عربية على سبيل المثال فأننا تحتاج اليوم الى ثلاثين عاما على اقل تقدير لبناء مدينة موجودة في الجوار العربي غير العاصمة كما في اللاذقية وحلب مثلا..!
-5-
ذات مرة سالت احد الأصدقاء المدراء في إحدى مطاعم السلسة وجبات الفاست فوود التي هي بعدد أبناء عمان في عمان ، لماذا لا يتم فتح فروع لها في اربد التي تعادل ثلث سكان عمان على اقل تقدير ، لماذا لا يكون عُشر الخدمات التجارية الاقتصادية في اربد وهي بحجم ثلث سكان عمان ، كانت الإجابة جلّ منطقية ان اربد ليس بها قوى شرائية ، رغم هذا الحجم من السكان وهو واقع يعكس هجرة الى حيث التجارة والخدمات والبنى التحتية ، وعندما فتحت بعض مطاعم السلسة هذه فروعا في اربد ، كان الجواب أنها لأبناء عمان الذين يدرسون في جامعة اليرموك..!!!
هكذا ، صارت تنظر معامل القرار الاقتصادي الى اربد بعد قرن كامل وأكثر من تأسيس بلديتها..!
-6-
اذا كان الاحصاء العام دقيقا بوجود 650 الف مواطن يسكنون اربد اليوم، فهذا رقم جدير بصناعة مدينة ، تتجه ربما نحو أطراف الحصن والنعيمة باتجاه عمّان ، فصناعة مدينة اليوم في القرية التي يسكنها هذا الرقم المأهول لم يعد ممكنا بالمطلق ، وتجربة جامعة العلوم والتكنولوجيا في منطقة معزولة باتجاه الرمثا لم تحرك ساكنا لا في الخدمات ولا في الاستثمارات ، وما تبقى من القرية القديمة وهي اربد الأصل بالكاد يسع لهذا الحشو العملاق من السكان فمن غير الممكن أن تطاله يد التطور والعمران ، وقد أخذت الزيادة السكانية كل حيز من المساحة فضاقت الأرض بمن رحبت ، وولى من وجد نفسه في عمّان..!
اربد الجديدة ، الحل الأمثل لمدينة بهذا الحجم الضيق من المساحة والخدمات ، وهذا الحجم من الإمكانات البشرية الغائبة والمغيبة بسطوة الادارات المتعاقبة ما بين البلديات والاشغال التي انجبت هذا الهجين الغريب لا هو بالمدينة ولا هو بالقرية ، غير منسجم مع تطور العالم من حولها ، مدينة جديدة خارج هذا الهجين تصنع مدينة يتوق لها أبناء الشمال، حيث كانوا ذات مرة في ركب المدن ، تقدمت القرى فصارت مدنا وهكذا ظلت اربد على حالها..!