هل تنفع فلسفة "سوليدير" لحلّ أزمة الفحيص؟
برزت في الأيام الأخيرة مشكلة مستعصية بين عدد من سكان مدينة الفحيص وبين شركة مصانع الإسمنت "لافارج" وبعض الوسطاء والمسؤولين في البلدية حول مستقبل ١٨٦٠ دونماً تملكهم "لافارج" الفرنسية التي تمتلك منها الدولة الأردنية حوالي ٢١٪ من خلال مؤسسة الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى وجود أراضٍ مجاورة أخرى تعود إلى بلدية ماحص يقال إنها تزيد عن ٨٠٠ دونم.
أُغلق المصنع بالأساس بسبب عدم جدوى من استبدال الفحم الحجري المضر للبيئة بطاقة بديلة. التلوث الذي يسببه المصنع لسكان الفحيص دفع إلى نضال طويل لأهلها ومعهم مؤسسات مجتمع مدني ونشطاء بيئيين لوقف الأثر البيئي السلبي الصادر عن المصنع.
"الإسمنت" كان قد أقيم على أراضي الفحيص، التي استملكت للنفع العام في خمسينيات القرن الماضي، وجرى التعويض ما بين ٥-١٠ دنانير للدونم حينها. ثم أخذت الشركة بالتوسع بعد ذلك من خلال شراء أراضٍ مجاورة من أصحابها.
ومع قرب إغلاق المصنع يتهافت مستثمرون إلى خلق صداقات جديدة منفعية بين سكان ومسؤولين ووسطاء مع جهات لها مصالح استثمارية، في حين ترفض الأغلبية الصامتة فكرة إدخال مستثمرين كبار لبلدتهم الصغيرة. بعض الاعتراضات قد تكون لها خلفية خوف أغلبية السكان من تغيير التركيبة السكانية للبلدة، لكن هناك من يؤكد أن سبب الرفض هو الرغبة بعدم تغيير شكل وطبيعة المدينة الهادئة.
أولى الأفكار التي عرضت كانت تحويل منطقة المصنع إلى مشروع يحتوي على مؤسسات الأمم المتحدة، ويبدو أن الديوان والحكومة كانا مقتنعين بها قبل أن تفشل، وانسحبت الحكومة من تقديم أفكار جديدة، ما يبدو أنه فتح شهية مستثمرين خارجيين من ناحية ومسؤولين ووسطاء محليين من ناحية أخرى وبدأت الإشاعات تتردد حول وجود مستثمرين خليجيين وغيرهم.
أصحاب الشركة الفرنسية عرضوا مشروعاً يقترح استخدام الأراضي في مشروعات مختلفة تشمل وجود مستشفى أو فندق ومشاريع سكنية أخرى، ولكن مراقبين يعتقدون أن المشروع غير مجدٍ لأنه لم يستند إلى دراسة معمقة ولم يوفر حلولاً للمشاكل التي ستنتج عن هذه الاستثمارات.
أهل الفحيص غاضبون ويشعرون أنه بما أن المصنع تم إقامته على أراضي مدينتهم، فإن من حقهم أن يوافقوا على بدائل المصنع الذي ناضلوا ضده وتحمّلوا دخانه وتلوثه.
معضلة أهل الفحيص ليست مشكلة تخصهم وحدهم، ففي كل منطقة في الأردن توجد فيها فرص استثمارية يوجد مسؤولون ووسطاء جشعون، ولكن ما البديل المنصف للمواطنين ورغباتهم؟ من المعروف أن رائحة المال وسماسرته تخلق أصدقاء كانوا أعداء، وتحوّل مواطنين الى مدافعين عن أفكار استثمارية كبيرة على أنها لمصلحة البلد رغم عدم وجود ما يثبت ذلك بالضرورة.
الحل يكمن في إعطاء المواطنين الفرصة في التأثير على القرار النهائي. المشكلة قد تكون صعبة نظراً لوجود خلاف بين من يؤيد المشروع ومن يبحث عن حلول بديلة قد يُبنى عليها إجماع أكبر من أهالي الفحيص.
مثال من بلد قريب قد يوفر فرصة فريدة لسكان الفحيص في موضوع مستقبل أراضي مصنع الإسمنت مما قد يجعل من الفحيص نموذجاً أردنياً ريادياً. "الشركة اللبنانية لتطوير وإعادة إعمار في وسط بيروت" المسماة بأحرفها الفرنسية "سوليدير" مشروع الرئيس الراحل رفيق الحريري، إذ وُزع أسهم الشركة على أصحاب الأراضي في وسط بيروت، ثم طُوّر وسط العاصمة الذي تم تدميره بالكامل جراء الحرب الأهلية. ورغم أن "سوليدير" يواجه بعض الصعاب إلا أن توزيع الملكية على عدد كبير من المالكين الأصليين بإعطائهم الأولوية في امتلاك أسهم في المشروع قد يكون حلاُ لأهالي الفحيص.
خيار مستثمر مقتدر واحد أسهل بكثير من مشروع يملكه عدد كبير من السكان، كما يتطلب مشروع التعددية وجود جهة أو شخصية قوية تقوده وتوفر القيادة في تنفيذه. المهم هو التعاون في إيجاد حل يتناغم مع الاحتياجات البيئية وطبيعة حياة سكان الفحيص. ومن يعرف ذلك أكثر من سكان المدينة؟ يبقى السؤال المهم عمن يعلق الجرس.
داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.