للوهلة الأولى، يبدو الطلب ضعيفا، فالاقتصاد ليس في وضع جيد جدا، ما يعني أن الطلب الذي يفترض أن يكون وراء ارتفاع الاسعار عامل غير متوفر.
لكن الجديد هو في الزيادة السكانية المطردة بفعل استمرار اللجوء السوري، وهو عامل ضغط إضافي في جانب الطلب.
الضغط يطال كل شيء خلال الأيام القليلة التي تسبق شهر رمضان إذ أن مواعيد تسليم السلع المستوردة تتكثف خلالها، فيشهد الميناء إزدحاما، وتشهد الأسواق إزدحاما بالمشترين، قبل أن تهدأ الأوضاع وتعود الى طبيعتها بعد العشرة الأوائل من الشهر الفضيل.
لا يحفل المستهلك بنداءات التأني في الاستهلاك وشراء ما تحتاجه الأسرة ليوم إفطار واحد، كماعودنا التجار على أن يكون رمضان شهر الأسعار الساخنة، وهم بذلك يدخلون في معركة حامية الوطيس مع المستهلك من جهة ومع الجهات الرقابية من جهة أخرى لتعلو أصوات المعركة بين تهديد ووعيد وكم هائل من التبريرات بعضها صحيح لكن جلها غير ذلك.
الحكومة باتت رقيبا بعد تحرير السوق وليس مطلوبا منها أن تتدخل لتحديد أو تقييد الأسعار كما تطالب بعض الأصوات لكن يتحتم عليها أن تكفل تطبيق القوانين والأنظمة بصرامة وعدالة لمصلحة المستهلك الذي أصبح مكشوفا في ظل ضعف آليات وأدوات الحماية ومنها «جمعيات حماية المستهلك». المشكلة في السوق ليست قضية عرض وطلب بل هي في أشكال «الكارتيل» الذي يمارسه بعض التجار عندما يمسكون بالعرض في مواجهة الطلب ويختبئون وراء الكلف لرفع الأسعار كما في حالة اللحوم الحمراء وفي النهاية لا يستجيب التجار للصيحات ولا يكترثون للانذارات ولا يحفلون بالغرامات.
اما بالنسبة للكلف، فالأسعار حول العالم ليست مرتفعة بل على العكس فهي الى إستقرار باستثناء بعض المنتجات، لكن أسباب ارتفاعها في بلدان المنشأ لا تؤهلها لارتفاعات شاهقة. يفترض أن تكون تجارب الأسعار السابقة قد مرستنا على التعامل مع مثل هاتيك الأزمات، للتحوط مسبقا على سلع تنتظر أزمات ويفترض بالتجار الاستجابة لحماية السوق بدلا من دفع الظروف نحو الأزمة بينما ستكون المبررات قوية عندما يلقون باللائمة على ارتفاع أسعار الوقود التي تقود لارتفاع كلف الشحن والنقل الداخلي، لكن لماذا المبالغة في تحميلها أكثر مما تحتمل ؟. لا نطالب بالعودة بالسوق إلى المحددات السعرية أو التدخل غير المباشر لتحديدها ذلك أن أنصاف الحلول غير مقبولة فإما اقتصاد سوق أو اقتصاد منغلق لكن على الحكومة توفير بيئة ملائمة لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، بمعنى أنها تجمع أطراف صناعة القرارات المؤثرة في اتجاهات العرض والطلب والمساعدة على تحقيق التوازن بشكل مسبق وهو ما لا يرفضه التجار .
صحيح أن تغير الكلف ليس شأنا محليا، فالسوق يتلقف الأزمات تماما كما يتلقى السلع والمتغيرات مفروضة وليس بالامكان اعتراض طريقها، لكن هل الكلف التي يتحدث عنها التجار كمبرر ارتفاعات فعلا ؟ هناك حاجة لعرض الكلف والمتغير فيها لكل سلعة أمام الرأي العام، ليعرف المستهلك حقيقة الوضع وليعرف التاجر أن لا حق له في المبالغة بسعر سلعة باتت كلفتها وهوامش ربحها مكشوفة.
الرأي