اقليم الشرق المستسلم تماما

الرابط المختصر

انتهت الحقبة الأسدية في سوريا بعد 54 عاما من حكم الأب والإبن ( 1970 ــ 2024 ) وهي الحقبة الأكثر جدلا وتقلبات منذ اعتلى الأب حافظ الأسد السلطة بعد انقلابه على رفيقه صلاح جديد (16 / 11 / 1970 ).
انتهت الحقبة الأسدية في لحظة فارقة من الدهشة والغموض والحيرة، فالنظام الذي كان يبدو في الظاهر متماسكا وقويا ويملك كل خيوط اللعبة بيده ظهر وكأنه أوهى من خيوط العنكبوت، وبدأ يفقد سيطرته على كامل جغرافيته وتضاريسه بكل سهولة ويسر فيما كان الجيش أو بقاياه مجرد صورة أكثر من ضعيفة لنظامه وقائده فآثر الهرب والإنسحاب الآمن أمام المجاميع المسلحة وسط صدمة الداخل السوري قبل صدمة العالم أجمع.
كانت صدمة، وحيرة ، ودهشة، وتساؤلات بلا إجابات، وفرحا سوريا دون النظر للغد المجهول الذي بدأ يتشكل للتو..
وحتى اللحظة فلا أحد يعرف ما الذي جرى؟ ولماذا جرى؟، وكيف جرى؟
وهي أسئلة تمسك ببعضها البعض في تراتبية مثيرة تعكس وبالضرورة حالة الصدمة والحيرة والدهشة وفيض التساؤلات..
وما لدينا ليس غير بضع سيناريوهات يمكن رسمها وتوقعها على عجل دون ان نملك أية إجابة على أي سؤال يمكن أن يدهمنا فجأة وسط رقص السوريين في الشوارع ابتهاجا بالتخلص من "الطاغية " من ضمن توصيفات لا يمكن عدها وحصرها يطلقها السوريون على زعيمهم الذي تركهم وهرب كما فعل سابقا الرئيس التونسي ابن علي.
ولعل من أبرز المفارقات في المأساة السورية أن الصراع الأهلي الدموي استمر 13 عاما بين الثائرين على النظام الذي ظل متماسكا وصامدا قبل أن يسقط تماما خلال 12 يوما فقط ومنذ اللحظة التي وقع فيه اتفاق حزب الله واسرائيل في 27 تشرين ثاني الماضي، ومغادرة الأسد كرسي حكمه في الثامن من كانون الأول الجاري.
وما جرى في سوريا كان أشبه بزلزال مدمر لم يترك حتى للنظام الأسدي وأذرعه الأمنية فرصة التساؤل عما يجري ومتى وكيف سينتهي، وقبل أن يستفيق السوريون والعالم من صدمة " الزلزال " كان كل شيء قد انتهى بطرفة عين، لتدخل سوريا بكل فضائها العام لمرحلة التساؤلات الكبرى عن المآلات الحاضرة، ومآلات المستقبل، وكيف سيكون شكل سوريا الجديدة؟.
ومن المسلم به أن تحديات سوريا المقبلة تبدأ من داخلها وتنتهي في جوَّانيتها أيضا، قبل أن تفكر في الخارج، ولعل أول تلك التحديات بناء الثقة ما بين السوريين ونظام الحكم الجديد وكل ما يتعلق به من إشاعة الأمن والسلام الداخلي وانتهاءا بأسعار الخضار مرورا بكل ما يتعلق بحاجات الدولة والمجتمع والإنسان بطبيعة الحال، وهذا أمر يحتاج لوقت طويل وزمان تكبر التحديات فيه والعراقيل خاصة إذا فشكل نظام الحكم الجديد في ترسيخ الثقة بينه وبين الشعب، وفشل في إخضاع كل المجاميع المسلحة لنظام امني جديد لعل أبسطه تحويل تلك المجاميع الى جيش نظامي سيحتاج هو الآخر لوقت طويل لإعادة تكييفه وتأهيله ونقله من عقلية "الثورة " الى عقلية" الدولة ".
علينا الآن الإعتراف بأن عصر "سوريا الممانعة " انتهى تماما بالرغم من أنه لم يبدأ أصلا، وأن الرئيس الأمريكي المقبل دونالد ترامب سيتسلم الشرق الأوسط ورقة بيضاء سيكتب فيها ما يشاء، فإيران هزمت وتقهقرت داخل حدودها بعد انهيار حزب الله، وسوريا تخلصت من حقبة الأسد لتصبح سوريا الغرب، وروسيا هزمت في البحر المتوسط تماما بعد خسارة قواعدها في طرطوس واللاذقية وانكفأت الى الداخل كمقدمة لهزيمتها في اوكرانيا، ، وتركيا تصعد كحليف قوي ومطيع لأمريكا لتتقاسم مع اسرائيل مناطق النفوذ والتأثير، واسرائيل تمر الان بحالة انتصار بعد نجاحها بالسيطرة على غزة وتحجيم حزب الله وفتح مجالها الحيوي في سوريا، ولم يتبقى غير غزة والتي من المؤكد أنها ستنتهي وشيكا...الخ.
هذه هي صورة الخارطة الجديدة لاقليم الشرق الأوسط الجديد وكأنها ورقة بيضاء تماما ومستعدة لاستقبال كل خطوط اللعبة التي يمكن رسمها على خرائط منهزمة ومستسلمة وتائهة وفاقدة لمصادر قوتها ومجال نفوذها.
وبالنتيجة فان اقليم الشرق الأوسط أصبح إقليما مستسلما تماما ، وأبيضا تماما، ومنكفئا على نفسه، وأكثر استعدادا لأن يكون ورقة بيضاء ترسم عليها القوى المهيمنة والحليفة خطوط لعبتها الجديدة وهم يشربون قهوتهم الباردة على أطلال عصر آفل كان ثمنه مئات آلاف القتلى والمشردين اللاجئين بلا أقدام أو مأوى...