نشوء ظاهرة «الإضراب السنوي»
أثارت النتائج المدهشة والمخيبة للآمال في امتحان الثانوية العامة اهتمام كل الرأي العام الأردني خاصة مع النتائج المتواضعة التي تحققت في كل المدارس باستثناء بعض المدارس الخاصة ذات الإمكانات العالية. وجود 340 مدرسة لم ينجح منها أحد في امتحان الثانوية العامة هو لطمة حقيقية لقطاع التعليم في الأردن واحتاج الأمر إلى شجاعة في الكشف عنه وفي إماطة اللثام عن هذا الواقع المر ولكن الأمر يحتاج الآن إلى الشجاعة الأكبر في مواجهة هذا التحدي الصعب.
الجهة الوحيدة التي لم نسمع صوتها بشأن نتائج الثانوية العامة وقبلها حول كافة الإحصائيات المحبطة في قطاع التعليم في الأردن هي نقابة المعلمين. بالنسبة إلى نقابة حديثة اعتبر تأسيسها مطلبا رئيسيا للقوى السياسة النشطة في الأردن عبر عقود طويلة من النضال، وبالنسبة إلى مؤسسة تريد أن تحظى بالمزيد من المصداقية والتأثير الاجتماعي والتنموي والمساهمة في تطور مهنة التعليم في الأردن كنا ننتظر أدوارا كثيرة من النقابة لعل أهمها عقد دراسات أو مؤتمرات نقاشية لإيجاد الحلول المناسبة لأزمة التعليم والتعهد بتحمل المزيد من المسؤولية في تحسين مخرجات التعليم في البلاد.
بدلا من ذلك كانت النقابة مشغولة بالتحضير للإضراب السنوي السياسي الذي يترافق مع بداية العام الدراسي ويضع الطلبة وأهاليهم في موقع الرهينة التي يتم اختطافها بدون احترام لحقها الدستوري في الحصول على خدمة التعليم. بغض النظر عن مطالب المعلمين والتي قد تكون محقة، مثل مطالب كافة الإضرابات والاحتجاجات العمالية والمهنية والنقابية التي انتشرت في كل البلاد منذ ثلاث سنوات فإن تعطيل العملية الدراسية للسنة الثانية على التوالي وإدخال مئات الآلاف من الطلبة في دوامة صراع اقتصادي-سياسي بين النقابة والحكومة لا يمكن اعتباره تصرفا يتحلى بالمسؤولية.
من سيدفع ثمن الإضراب على الأغلب هم طلبة المدارس الحكومية لأن إدارات المدارس الخاصة وجهت انذارات شديدة للمعلمين الذين لا يلتحقون بعملهم، وكما حصل في الإضراب الماضي فهذا يعني أن السنة الدراسية الجديدة سوف تنطلق مع مزيد من المزايا الإضافية لطلبة المدارس الخاصة على نظرائهم في المدارس الحكومية. في مواجهة هذا الإضراب هنالك اقتراحات بأن يتم تغطية موقع المعلمين المضربين من خلال متطوعين من المجتمع وهذا سلوك راقٍ في الحضارة والالتزام وفي حال تم لا يجب ابدا اعتباره تحديا للنقابة أو رضوخا للحكومة. في حال قرر مواطنون أو موظفون مدنيون من حملة الشهادات المناسبة أو طلبة السنة النهائية في الجامعات أن يغطوا النقص في المدارس التي سيضرب عنها أعضاء النقابة فهذا أمر يستحق الترحيب والدعم.
نقابة المعلمين كمؤسسة يفترض أن تكون ديمقراطية وتحمل مسؤولية وطنية كبرى قصّرت بشكل كبير حتى الآن في التصدي للتحديات التي تواجه القطاع التعليمي في الأردن بل حتى ابدت مستوى مؤسفا من اللامبالاة. ستكتشف النقابة أن إضرابها في هذا العام لن يحظى بتعاطف وتقدير وتفهم من الغالبية العظمى من المواطنين والرأي العام الأردني وعندما يحدث ذلك عليها أن تلوم نفسها وليس الحكومة.
الدستور