من هم الذين اعتصموا على دوار الداخلية؟
الساعات الثلاثون التي أمضاها ألوف الشباب الأردنيين على دوار الداخلية ستبقى زمناً استثنائياً في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى الأخلاقية الأردنية.
لقد تجاوزت الخمسين من عمري وشهدت وحضرت وراقبت المئات من التحركات الشعبية, وكنت على الدوام أدقق في التفاصيل وفي الحياة الداخلية للتجمعات وفي نوع الانفعالات ومدى صدقها ومجمل العناصر غير الرسمية فيها. وأستطيع بلا تردد أن أشهد أن تلك الساعات الثلاثين شكلت الظاهرة الأنقى والأرقى والأجمل. لقد شاهدت شباباً أردنيين بواسل, يهتفون ويغنون ويهزجون من أعماقهم للأردن وللشعب الأردني.
بالأمس احتل قيادة الاعتصام الشاب والمفخرة الأردنية سلطان العجلوني, ذلك البطل الذي أمضى 16 عاماً من عمره في سجون الاحتلال بعد أن مثل في مطلع التسعينيات ضمير الأردنيين تجاه عدوهم, لقد انتقل سلطان بالأمس إلى دوار الداخلية ليقول أجمل الكلام عن الأردن إلى جانب زملائه الذين لا يقلون عنه إخلاصاً.
أدار الشباب تلك الساعات بسوية أخلاق عالية لا تتكرر كثيراً, لقد أخرجوا أفضل ما عندهم من أخلاق وسلوك راقٍ تجسد في تعاونهم وانسجامهم وامتصاصهم لأقذع الشتائم التي وجهت لهم إلى جانب الحجارة التي انهالت فوق رؤوسهم, لكنهم أبدوا الكثير من الشجاعة إلى جانب التماسك وضبط الأعصاب عجز عنه واحد مثلي من جيل آبائهم.
"بالروح بالدم نفيدك يا أردن", كان ذلك هو سيد الشعارات التي رفعها وصرخ بها الشباب باندفاع وانفعال وصدق غير مسبوق. إن الشباب في تلك الساعات كانوا يجددون اكتشاف الوطنية الأردنية بأبهى صورها, وطنية سامية حاضنة كبيرة متسامحة حية وعلى درجة عالية من الحياء والتهذب المسنودين إلى الشجاعة.
نعم, لقد جرى تحطيم هذا المشهد الجميل, غير أن الشباب لم يهزموا. إن الشعوب تبني تاريخها بالتجارب القاسية. هذا ليس شحناً لهممهم لأنها من النوع الذي لا تحتاج مطلقاً إلى الشحن. إن الوطنية الأردنية تُبنى من جديد, وميدان عبدالناصر عاش الساعات التي وضع فيها مدماك مهم لذلك البناء.