من المسؤول عن اختطاف الجامعات؟
بعد حادثة القتل في جامعة البلقاء التطبيقية، وتداعياتها المرعبة، التي نسأل الله أن يتم احتواءها بأسرع وقت واقل كلفة، أصبح من المشروع لنا جميعا أن نتساءل عن الأسباب والعوامل التي جعلت طلاب الجامعات الأردنية يستبدلون أقلامهم وكراريسهم بسكاكين وعصي، ينهالون بها ولأتفه الأسباب على بعضهم البعض وعلى مرافق جامعاتهم.
بعيدا عن دفن الرؤوس بالرمال، يجب أن نقر أن عنف الجامعات هو الوليد الشرعي للتحولات الاجتماعية التي أكره المجتمع الأردني عليها منذ عقدين من الزمن، والتي كان من نتائجها الواضحة، تنامي الهويات الفرعية والجهوية على حساب الانتماء للمجتمع ولمؤسساته الضامنة، فالدولة لحظة انسحابها من حياة الناس ورميهم في أحضان الجماعة الأولية، لم تكتفي بذلك، بل قامت بإصدار قانون الصوت الواحد وعممته حتى على الانتخابات الجامعية، فعمقت بذلك العصبية وشددت على دور العائلة وقدمتها على الفكر وعلى الدولة والمجتمع، فأصبحنا بصدد عنف يرمي لحماية مكتسبات وهمية وزائفة.
في ظل هذا التحول السلبي الذي أصاب المجتمع، كان من المفترض أن تلعب الجامعات دورا تنويريا توعويا يشكل ممانعة حقيقية لهذه العصبية الجهوية التي تسربت لنفوس الطلاب وجعلتهم أكثر عنفا وابعد عن أدبيات الحوار والصراع السلمي.
لكن المفاجئة التي نشهد فصولها يوميا، تتمثل بان الجامعات أصبحت بمثابة المسرح الدائم للتعبير عن تلك التحولات السلبية.
فجامعاتنا وتعليمنا العالي يعاني الكثير من الآفات التي أفقدته قدرته على التأثير وجعلته متأثرا تابعا لا يقوى على فعل أي شيء، فإدارات الجامعات ومجالس أمناءها وكوادرها الإدارية والتدريسية، كلها تعاني من الضعف وتتسرب لها قيم العصبية والمحسوبية، ما افقدها أي قدرة على المناورة أمام الطلاب الذين استباحوا ساحات الجامعات بوكالة مجتمعية تعاني من مفردات التوتر والعنف والصراع الوهمي على النفوذ.
أما الطلبة فهم يتندرون فيما بينهم بمقولة مفادها" من دخل الجامعة فهو آمن"، فقضية اجتهاد الطالب ومثابرته لم تعد ذات أهمية، وباتت شوارع الجامعات وساحاتها مناسبة للتجمع وعرض العضلات والأزياء وتبادل العواطف، وتلك بيئة لا تربوية وليست بالتعليمية، وهي مؤهلة في أي لحظة لانفجار عنيف عنوانه الصراع على الهملات وسفاسف الأمور.
إذا كانت الجامعة واليات اختيار طلبتها، قد ساهمت بقتل مفهوم الطالب والقيم التي يجب أن يحملها، وحولته إلى متسكع ومتنزه في الجامعة، فان التدخلات الأمنية قد ساهمت في تلويث وعي الطلبة وسرقتها وجعلتهم أداة لمواجهة المعارضة السياسية، فلم تطالبهم بحمل فكر مضاد حواري وإنما جمعتهم وفق جغرافيا المناطق، فكان ما كان من مشاجرات واستعراضات ، تتحمل الدولة كل تبعاتها ومسؤولياتها.
ما يجري في السلط، سيتم تطويقه من العقلاء بإذن الله، لكن يبقى أن نطوق كل الأسباب التي قادت مشهدنا إلى اختطاف المؤسسات التعليمية ووضعها في خدمة أغراض آنية لا أفق لها ولا مستقبل.