مقاطعة الانتخابات: ما هي الخطوة التالية؟
بداية أريد الإعلان بأنني متخذ لقرار مقاطعة اية انتخابات نيابية تجري وفق قانون الصوت الواحد منذ عام 2007، ومقاطعتي المزمعة للانتخابات القادمة هي امتداد لذلك القرار ومقاطعة انتخابات 2010. هذا قرار شخصي لا أريد استخدامه للتحريض على المقاطعة من هذا المنبر ولا اقبل أن يتم “تصنيفي” سياسيا ووطنيا بناء على هذه المقاطعة، وهذه معادلة يجب على الجميع احترامها.
مشكلة المقاطعين للانتخابات أنهم يتوزعون على بضع جهات وتيارات وأفراد ولهم اسباب مختلفة؛ ما يجعل من “رسالة المقاطعة” غير واضحة. هنالك من يقاطع بقرارات حزبية ترفض القانون الحالي وتطالب بقانون انتخابات يعزز من فرصها للحصول على مقاعد نيابية أكثر (الإخوان المسلمون وبعض الأحزاب اليسارية) وهنالك تيارات الحراك الشعبي التي لا تثق بتوجهات الدولة وتفترض التزوير قبل حدوثه، وهنالك من يقاطع لأسباب فردية لها علاقة فقط بالقناعات الشخصية.
ما يبدو واضحا الآن هو أن الانتخابات ستجري بالفعل بعد تزايد عدد المسجلين والحاصلين على البطاقات الانتخابية، وهذا ما يجعل التحدي مضاعفا أمام المقاطعين، فما هي الخطوة التالية وهل سيتركون القطار يمضي بسلام دون أن يركبوا فيه أم سيستمرون في المعارضة بشكل أطول؟ سيتم تكوين مجلس نواب جديد، بحيث يفرض قانون الانتخاب الحالي عدم حدوث تغيير جذري في التركيبة وربما أن 70% من النواب الحاليين يسيتعيدون مقاعدهم حتى دون تزوير؛ لأن القانون ينحاز لأصحاب المال والقواعد العشائرية الكبيرة.
الدولة ليست بحاجة ابدا إلى التزوير، وسيكون خطأ كارثيا لو تم تنفيذ اي مخطط للتدخل في سير الانتخابات. القانون وحده كفيل بإنجاح مجلس نواب تقليدي مساير قادر على تكوين كتل برلمانية مبنية على المصالح لا البرامج يتم خلالها تبادل مقاعد الحكومة بين الكتل للسنوات الأربع القادمة. مجلس كهذا لن ينظر ابدا في تغيير قانون الانتخاب الحالي، والذي لا حل له سوى بتعديلات دستورية استثنائية تسمح بإقرار قانون انتخابات يعزز التكتلات الحزبية والبرامجية من خلال قانون مؤقت يعكس التوجهات الجدية للإصلاح وليس ترك مصير الحياة السياسية معلقا بمجلس نواب “مرتاح” تماما للقانون الذي أنتجه ولا يرغب بالتغيير.
مقاطعة الانتخابات لن تكون فعالة بكل أسف؛ بمعنى أن “رسالة المقاطعة لن تكون واضحة”. من المتوقع أن تزداد نسبة التصويت في المحافظات عن 70% نظرا لوجود “حماسة تنافسية” للحصول على المقاعد، ولكن في المدن وخاصة عمان والزرقاء بالكاد ستصل النسبة إلى 30%. تفسيرات هذا التباين ستكون إما في مقاطعة الإخوان المسلمين –وهذا يعطيهم حجما أكبر من الحجم الحقيقي- وفي “استنكاف” نسبة كبيرة من الأردنيين من اصول فلسطينية عن المشاركة السياسية. ولكن ذلك سوف يخفي حقيقة أن نسبة كبيرة من الأردنيين من الطبقة الوسطى ومختلف الأصول والمنابت غير راضين عن القانون الحالي ولن ينتخبوا مع أنهم يمثلون “الطبقة” الأكثر قدرة على إحداث التغيير المنشود. حتى التصويت بأوراق بيضاء لن يكون مجديا لأن طبيعة الفرز لا تسجل الأوراق البيضاء ولا تضع نسبة يمكن أن تشكل رسالة استراتيجية حول جدوى المقاطعة.
هذا سؤال موجه لجميع المقاطعين ومنهم كاتب المقال: ما هي الخطوة التالية بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة البرلمانية؟ البدء بمسيرات جديدة تطالب باستقالة الحكومة والبرلمان؟ ألا يندرج هذا في خانة العبث السياسي؟ لا أملك جوابا!
الدستور