مع المحتجين في ذيبان
اخترت أمس مرافقة مسيرة ذيبان جنوب مأدبا, فمن هذه البلدة انطلقت بداية الاحتجاجات قبل أسبوع, وهي بلدة فقيرة تقع حولها عدة قرى تقطنها عشائر الحمايدة. إنها فرصة للاطلاع على موقف جمهور لا يلجأ عادة إلى المظاهرات للتعبير عن موقفه, ولهذا يتعين الانتباه جيداً عندما يخرج للتظاهر.
وصلت مبكراً وتجولت في أزقة البلدة, هناك متبقيات تشير إلى الماضي الزراعي والرعوي, لكن المنطقة تعتبر مثالاً على ظاهرة تدهور الزراعة وبالتالي تدهور نمط العيش الأصلي للسكان, وهو بدوره ما أدى إلى أن تصبح المنطقة نموذجاً للمناطق التي تأثرت سلبياً بالسياسات الاقتصادية الجديدة وخاصة انسحاب الدولة من الخدمة العامة وتقليص القطاع العام, وقبل ذلك القضاء على الإنتاج الوطني الزراعي.
توقفت لالتقاط صورة لمدخل أحد المخابر المغلقة, اسمه مخبز "قدرات" وهو اسم أحد برامج تعزيز الإنتاجية ومكافحة الفقر التابع لوزارة التخطيط. يحمل المخبز لوحة كبيرة عليها كلمات بالانجليزية توضح أنه تم بتمويل من هذه الوزارة بالاشتراك مع جهة أوروبية, لكن أحد المواطنين قال لي أنه لم يتبق من المخبز غير هذه اللوحة, وأنه جرى إغلاقه ولم يعمل سوى فترة محدودة. إنه نموذج على نهج التنمية على الورق الذي تقوده وزارة التخطيط وتسجله ضمن قصص النجاح على دور الوزارة في مكافحة الفقر وخلق فرص العمل.
مع اقتراب موعد انطلاق المسيرة بدا واضحاً أن الأجواء ساخنة, والانفعال ظاهر على الوجوه, شباب ورجال وشيوخ وفتيان يهتفون, إنه التجمع الاحتجاجي الأكبر في تاريخ ذيبان. من الواضح أن الناس تجاوزوا حاجز الخوف, هتافات التنديد تطال السلطتين التنفيذية والتشريعية, ولهذا تصدى المتظاهرون لنائب المنطقة وقاطعوه وهو يتحدث عن جدية الحكومة هذه المرة.
سأقوم هنا بدور المخبر وأنقل لمن يريد أن يسمع ويقرأ, ان الناس في ذيبان كانوا يوم أمس غاضبين بجد, غير أنهم قالوا كلاماً بمنتهى الوضوح.
العرب اليوم