معارضة للحكومات أم عداء للدولة؟

معارضة للحكومات أم عداء للدولة؟
الرابط المختصر

ربما تكون إحدى الفوائد التي أنتجتها مرحلة الحراك والنزال السياسي في الأردن في السنتين الماضيتين خفوت الأصوات الإقليمية التي كانت تحاول التفرقة ما بين المواطنين الأردنيين حسب الأصول والمنابت، ولكن هذا لا يعني في المقابل تجاهل نمو ظاهرة جديدة من الطرح الإقليمي التي أصبحت تظهر من داخل بعض تيارات الحراك نفسه. نستطيع أن نتلمس وبسهولة أن جزءا من “الخطاب المعادي” للحكومة أصبح خطابا معاديا للدولة نفسها ولتاريخها وايضا لهويتها، وهذا ما ظهر من خلال بعض الممارسات التي حاولت التقليل من أهمية بعض المناسبات الوطنية التي اعتاد الأردنيون تقديرها والاحتفال بها. هذه الدعوات وإن كان ظهورها باشكال الحداثة والمدنية فإنها تعكس عداء للدولة يقترب كثيرا من نظرية “الحقوق المنقوصة”.

لقد بنيت الدولة الأردنية، منذ ثمانين عاما وأكثر على مجموعة من القيم التي شكلت حاضنة لانصهار الكثير من الفئات الاجتماعية في الدولة الناشئة التي قدمت حقوقا وطلبت واجبات متساوية من جميع المواطنين، فكانت الدولة منذ بدايتها دولة جامعة مبنية على التعددية الثقافية التي تثري البناء وضمن وحدة من الانتماء السياسي.

الدولة الأردنية لجميع مواطنيها بلا استثناء، والمادة السادسة من الدستور الأردني تؤكد بأن جميع الأردنيين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن العرق والدين واللغة وإن كان هذا يتطلب أيضا إضافة “الجنس” إلى لائحة قيم المساواة. هذا يثبت أن قيمة الدولة الأردنية الجامعة والضامنة للمساواة هي التي تشكل مصدر قوة الدولة ومجتمعها، وهي القيمة الأساسية التي بنيت عليها الدولة.

هذا الدستور المتوافق تماما مع حقوق الإنسان يشكل ضمانة استقرار المجتمع الأردني والمساواة في الحقوق والواجبات ، وأعلى من شأن المبادئ الدينية الشرعية في بعض المسائل المتعلقة بالحقوق الشخصية بين الرجل والمرأة فإن الدستور الأردني بقي متفقا تماما مع مبدأ المساواة.

الاحداث السياسية الكبيرة التي مرت بالمنطقة وأسهمت في تغيير في التفاصيل الديمغرافية الداخلية في الأردن لم تعصف بالحقوق الدستورية المبنية على المساواة، وتمكن المجتمع الأردني من تجاوز بعض الفترات الحساسة والقاسية في معادلات الهوية ولكن بقيت هناك بعض الترسبات المعزولة وهي لم تؤثر يوما على معادلة الحقوق الدستورية.

التحدي الذي يواجه الأردن منذ سنوات بطرح مؤامرة الوطن البديل، بغض النظر عن مدى جديته أو المبالغة به، بات يشكل مبررا لمجموعة من الأصوات النشاز التي تحاول تقسيم المجتمع الأردني ديمغرافيا ورسم خطوط متباعدة في مسائل الهوية والانتماء والحقوق. هذه الأصوات النشاز لا تقتصر على مصدر واحد فقط؛ لأن محاولات بعض الشخصيات السياسية لكسب شعبية في أوساط فئات تعاني من ضائقة اقتصادية هي الأخرى أسهمت في الترويج لطرح حول الحقوق المنقوصة أسهم في إحداث توتر سياسي واجتماعي في بعض الأوقات. هذا الأمر يتكرر ايضا في ساحة جديدة هي منح الجنسية لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين والتي تدخل فيها حقائق ومبالغات وتحريض متبادل ينطلق من نظرية الوطن البديل والمؤامرة على “الهوية الأردنية”.

في ذاكرة الدول والمجتمعات المحتربة تجارب عديدة تتفق كلها في أن جذور النزاع والفشل تكون في نشر الأفكار الانقسامية داخل المجتمع والترويج للتعصب، والكلام أحيانا يكون أشد وطأة من الفعل ويلوث العقول والقلوب بنزعات التفرقة؛ وحري بنا أن نتعلم من التجارب القاسية التي مرت بها المجتمعات المنقسمة ولا نسمح بتنامي هذه الأصوات الانعزالية التي تدعو إلى التفرقة بين أفراد المجتمع بناء على طروحات واهية.

إن محاصرة هذه الأصوات وعزلها يعتمد على الوعي الشعبي ولا تنفع معه أي إجراءات من شأنها التضييق عليها لأنها تعتاش على وضع نفسها في موقع الضحية. الحراك الشعبي بكل القضايا والشعارات النبيلة التي طرحها في الاشهر الماضية يجب أن يدرك بأن زيادة مساحة حرية التعبير التي تم خلقها في الأردن أمر ايجابي تماما،لكنه أسهم في زيادة جرأة الأصوات التي تقدم عداء للدولة مبنيا على اسس إقليمية، ومن المهم أن يدرك الحراك أهمية تنظيف نفسه من هذا الطروحات الشاذة حتى لا يستمر نحو المزيد من التراجع.

الدستور