مشـروع تبادل المياه والتفاصيل الحساسة
أعلن رئيس الوزراء قبل يومين عن المشروع الجديد في قطاع المياه الذي تسعى الأردن إلى تنفيذه كبديل عن مشروع قناة البحرين الكبير والذي اثبتت دراسات الجدوى الاقتصادية وتقييم الأثر البيئي صعوبة تنفيذه بالطريقة المخطط لها. المشروع الجديد يعتمد على تحديد حل لمشكلة شح المياه في محافظات الشمال ولكن عن طريق الاستفادة من مياه البحر الأحمر وفق معادلة سياسية-تكنولوجية معقدة.
مشروع الديسي ساهم بشكل كبير في الحد من الفجوة بين العرض والطلب على المياه في محافظات الوسط وأيضا الجنوب إلى حد ما ولكن محافظات الشمال تبقى هي المشكلة الرئيسية بسبب استمرار الضخ الجائر من الآبار الجوفية التي هي المصدر الوحيد للمياه. من شبه المستحيل حدوث اي اتفاق مع الجانب السوري على تزويد الأردن بالكميات المائية المتفق عليها مع الحكومة السورية وهذا كان صعبا حتى في أيام استقرار النظام السوري. الآن فقد الأردن كل مصادر المياه المشتركة مع سوريا وأضيفت إلى أعبائنا المائية الحاجة إلى تزويد المياه لحوالي 600 ألف شخص جديد من اللاجئين السوريين سواء في مخيم الزعتري أو في كافة المناطق في الأردن وخاصة محافظات الشمال.
فكرة وزارة المياه والري هي تطوير مشروع لتبادل بيع المياه مع إسرائيل ضمن معادلة أسعار تتفق مع نوعية المياه وكلفة إنتاجها. ستقوم الأردن بإنشاء محطة تحلية لمياه البحر الأحمر في وادي عربة تنتج 85 مليون متر مكعب منها 35 مليون متر مكعب لاستخدامات العقبة والجنوب مما يحرر كميات إضافية من مياه الديسي للوسط. سيتم بيع 50 مليون متر مكعب لإسرائيل بسعر دينار للمتر المكعب الواحد وهو السعر المتعارف دوليا لكلفة المياه المحلاة. في المقابل سيتم تزويد محافظات الشمال بكمية 50 مليون متر مكعب من قبل إسرائيل بسعر 0.3 دينار للمتر المكعب الواحد وذلك من بحيرة طبريا.
لا تشعرون بارتياح لهذه المعادلة؟ أنا كذلك ولكن قد لا يكون هنالك خيار آخر. المطلوب في هذه المرحلة الدقة التامة في دراسات الجدوى من أجل التأكد من صحة افتراضات اسعار الطاقة المطلوبة للتحلية وكذلك الحرص التام على تحديد نوعية المياه الآتية من بحيرة طبريا وأعماق الضخ لأن نوعية المياه في المناطق الأعمق تكون افضل بعكس المياه السطحية التي تكون ملوثة بالطحالب والكائنات المجهرية ولنا تجربة قاسية مع هذا في صيف 1998 المشهور.
وجود إسرائيل في أية معادلة أو مشروع سوق يثير الريبة والغضب لدى الرأي العام وهذا أمر مفهوم. لكن الظروف السياسية والأمنية في المنطقة والظروف الجغرافية للأردن من حيث غياب مصادر مياه مستدامة في الشمال وتزايد الضغط عليها وصعوبة توفر موارد مالية وطاقة كافية لمشروع قناة البحرين الأصلي سيجعل من خيار تبادل المياه مع إسرائيل شرا لا بد منه.
نحن لا نختار جيراننا، ولا نختار الفوضى التي تعم حولنا، ولم نختر منطقتنا المناخية ولكننا على الأقل يجب أن نبذل كل جهد ممكن لتوفير المياه للمواطنين ضمن الظروف المتاحة مع الحرص التام على الدقة والكفاءة في مناقشة التفاصيل الفنية والسياسية الحساسة التي يتضمنها هذا المشروع.
الدستور