مسطرة النزاهة في الانتخابات
الاشاعات والاقاويل اصبحت جزءاً من المشهد السياسي للبلاد. ولا اريد ان ابحث عن الاسباب السياسية والمجتمعية لهذه الظاهرة. فهي امر يخص الباحثين. مع ذلك, اعتبرها جزءاً اساسياً لقياس النزاهة في الانتخابات. فلقد اثبتت التجربة ان لا دخان من دون نار.
ما يتردد هذه الأيام من اقاويل, هو وجود تدخلات من اوساط من الدولة تعمل بطرق غير مباشرة (مثل تقديم النصائح والرأي) سلباً أو ايجاباً لدعم المرشح الفلاني او العلاني, وبالتدقيق في هذه الاقاويل وقيمتها على مسطرة النزاهة (والتدخل) تظل - لو صحت - في اطار المخاوف من تشكيل مجلس نواب يوجد حالة من عدم الاستقرار بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. لكن بشرط ان لا تتحول هذه المخاوف إلى تجاوزات على قانون الانتخاب.
ولست مقتنعاً بما سمعناه من الاوساط الرسمية بان الحكومة تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين. لو صح ذلك فهو غير منطقي, فمن مصلحة بعض الجهات في الدولة والحكومة فوز (مرشحين) يُعرّفون بانهم سيكونون في صف السياسات المطروحة ومشاريع القوانين المؤقتة وغير المؤقتة التي ستطرح على مجلس النواب المقبل, ولكن في النهاية من ينتخب ليس مصلحة الجهات الرسمية انما الشعب اذا ارتقى وعي الناخبين الى اختيار الأمثل بعيدا عن اية املاءات ونصائح وتوجيهات.
وتكون الانتخابات غير نزيهة, اذا ما تحولت (الرغبات) الحكومية الى قرارات وافعال من أجل مساعدة مرشح ما على الفوز والعمل على اسقاط مرشح آخر, والمقصود تلك الافعال التي اصبحت جزءاً اصيلاً في التراث الانتخابي الاردني. مثل (باصات الدعم بهويات جاهزة) او (السماح لناخبين معروفين بالانتخاب اكثر من مرة). او تقديم الاموال لمرشح من دون آخر لمساعدته في شراء الضمائر والنفوس, او (قطع التيار الكهربائي) في آخر ساعة من يوم الاقتراع في عدد من المراكز, كما شاهدت ذلك بام عيني, في انتخابات عام 1993 . او حمل مندوبي المرشحين بالقوة على مغادرة مراكز الاقتراع كما حدث في انتخابات 2007 .
كل هذه الافعال هي في مسطرة الانتخابات تجعل النزاهة تساوي صفراً مكعباً. لكن وأمام تعهدات الدولة والحكومة باجراء انتخابات حرّة ونزيهة, وعلى ضوء افعالها واقوالها الايجابية لتطبيق هذه التعهدات, فأنا حتى اليوم, لا أميل الى تصديق ما يتردد من اشاعات وأقاويل حول وجود تدخل رسمي علني ومؤثر لصالح مرشح ودعمه بالوسائل المنبوذة التي اشرت اليها في الفقرة السابقة.
واقتراحي هو, أننا جميعاً كحكومة ومرشحين وناخبين, سنكون أمام اختبار حقيقي يوم الاقتراع, بحيث لا نتصرف كالقردة الافريقية الثلاثة التي لا ترى ولا تتكلم ولا تسمع. فالواجب الوطني يدعونا لممارسة حقوقنا الدستورية على اكمل وجه. الحكومة ملزمة بان تكون شفافة وصريحة وجاهزة لتقديم الاجابة على كل تصرف يدل على خرق او اختراق للنزاهة ولحرية الناخب. والمرشحون مطالبون ان يكشفوا علناً ما يعتقدون انه تدخل رسمي في الانتخابات وان يتخلوا عن عادة (الاقاويل) والتصرف بسلوك الضحية وان يمارسوا حقهم علناً امام وسائل الاعلام وامام (المشاهدين والملاحظين والمراقبين) للانتخابات سواء كانوا اردنيين أم اجانب, وان يتحدثوا بجرأة عما يعتقدون انها ممارسات تطعن في النزاهة والمنافسة الحرة.
بالتأكيد سيغضب كثير من المرشحين لاقتراحي هذا, من الذين لا يزالون يُمنّون النفوس (بقوة محمولة بالاصوات) لنجدتهم, لقناعاتهم بانهم هم والدولة شيء واحد, وبأن الآخرين دخلاء لا يستحقون إلا الهزيمة. هؤلاء اتمنى ان يخيب ظنهم وان تخرج هذه الانتخابات - على الأقل - بنتيجة مقنعة تستعاد بموجبها الثقة بنزاهة الانتخابات عند الرأي العام الاردني.
span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span