مراجعة الخصخصة .. الآليات والسبل
بمعزل عن الرضى الشعبي أو عدمه , فإن الآلية التي تتم بها مراجعة برنامج الخصخصة وآلية بيع الشركات الكبرى غير مهنية ولا تخدم القرار الصادر سواء كان ادانة البيع او تبرأته , فتقرير اللجنة النيابية حول بيع الفوسفات اشار صراحة الى عدالة الاجراءات في بيع شركة البوتاس ومع ذلك فما زالت قضية بيع البوتاس محاطة بظلال الشك الشعبي رغم قرار اللجنة النيابية وما زالت فكرة الخصخصة كلها تعاني من عدم الوضوح والضبابية وأقرب الى الادانة منها الى التبرئة .
مراجعة البيوعات تتم على اساس شعبوي وتخضع لهتاف مسيرات الجمعة , اي انها تحمل مضمون برنامج كوثر النشاشيبي رحمها الله “ ما يطلبه المستمعون “ , وهذا ألقى بثقل مضاعف على لجان التحقيق التي تبحث عن القرائن والادلة القانونية وسط حكم شعبي مسبق , بانتظار ما يلبّي رغائبها .
قضية الفوسفات حملت كل هذه الازمات منذ البداية , فلا طريقة فتحها كانت مهنية ولا قضية التحقيقات كانت على سوية عالية بحكم عدم الزامية لجان التحقيق النيابية لغير الوزراء السابقين او العاملين بالمثول امامها , وهذا يعني عدم اكتمال الصورة وعدم تحصين القرار او استكماله من جميع جوانبه , ومن هنا تعود الدعوة الاكيدة الى ضرورة ان يتولى القضاء هذه المهمة , فهو وحده الذي يستطيع ان يجلب الجميع الى حضرته والاستماع الى افادات المعنيين سواء كانوا وزراء او موظفين او مستثمرين .
وقبل ذلك يجب ان تناط هذه المهمة – اي مراجعة الخصخصة - بلجنة محترفة تضم خبراء قانونيين وخبراء في التسعير ودراسات الجدوى والقيمة , يكونون على سوية مهنية عالية ونزاهة مشهود لها , ثم تقوم هذه اللجنة بتحويل ملفاتها الى السلطة القضائية لدراسة الملف وبعدها تقرر اما ان تفتح التحقيق او تغلق الملف , فهذه الاجراءات تحقق الغاية النبيلة وتمنع التغول الشعبي على القرار وتمنع ايضا تعطيل التحقيق او دخوله خانة الحسابات الشخصية بالادانة او التبرئة .
قرارات اللجان النيابية للآن قاصرة بحكم انعدام الخبرة النيابية في التحقيق بمثل هذه القضايا والاهم دخول الحسابات الانتخابية والشخصية في التحقيق , فالنواب ينسون انهم بعد التعديلات الدستورية ليسوا جهة ادانة وليسوا نيابة عامة فهم يتحققون ولا يحققون والجهة المعنية بالاتهام او التحقيق هي النيابة العامة وهذه تابعة للسلطة القضائية وهذا يحقق استقلال السلطات ويضمن عدم تغول سلطة على اخرى , ومن يراجع التحققات النيابية ويستمع الى الشهود الذين مثلوا امام النواب يصل الى ان النواب مارسوا دورا غير دورهم .
قضية الفوسفات التي حملت كل التناقضات الايجابية والسلبية تكشف مجددا اننا بحاجة الى احترافية وجدية في المراجعة وبالتالي محاسبة الفاسدين الذين يتمتعون بمهارات استثنائية ونفوذ وقدرة على التأثير , فهذه القضية وغيرها من القضايا تلقي بثقل شديد على الدولة والعجز عن التعامل معها بشكل احترافي ومهني يلقي بظلال سوداء على مسيرة الدولة وهيبتها وشكل تعاطيها مع مواطنيها المشحونين بكل اسباب الانفجار .
الفوسفات في ميزان الربح والخسارة للدولة فتحت اسئلة سلبية اكثر من اجابتها على اسئلة منهجية , وذلك بحكم التعاطي الشعبوي من جهة والتعاطي غير المهني والاحترافي من جهة اخرى , وبقاء المراجعة بهذا الاطار يعني اننا امام مزيد من التراكمات السلبية وانحسار منسوب الثقة بالمراجعات الاقتصادية والسياسية والاخطر يفتح الباب واسعا لدخول الاحباط وإدارة الظهر على احسن الاحوال بدل تركيز الغضب،والاحباط وانعدام الامل بوابة التطرف وبيئة خصبة لكل ما نكرهه .
الفرصة لا تزال قائمة رغم صعوبتها وعلينا ان نعيد التفكير بآلية المراجعة وطرق فتح الملفات , فالشعبوية تختلف جذريا عن الشعبية المطلوبة لقرارات الدولة وتوجهاتها .
span style=color: #ff0000;الدستور/span