مذبحة الشجاعية وسياسة الردع التصاعدي
لِمن تساوره ذرة شك بخسائر الكيان الصهيوني أقول: اقطع الشك باليقين، فقد نجحت المقاومة بإيذاء الكيان المتغطرس وتمريغ أنفه في حي التفاح , والدليل مجزرة الشجاعية , وسقوط قرابة المائة شهيد بانتهاك إسرائيلي للهدنة المؤقتة , وللتذكير فإن إسرائيل ومنذ عهد بن غوريون تعتمد الرد القاسي على أي عملية للمقاومة فمنذ العام 1955 اعتمدت اسرائيل عملية الردع التصاعدي والذي يعني عدم التسامح والرد على اية عملية مقاومة بشكل قاسٍ حتى يرتدع الطرف الآخر ويحسب كلفة مقاومته جيدا.
الرد الإجرامي هو نهج إسرائيلي وعقيدة عسكرية أصيلة في عقل المجتمع الإسرائيلي العسكري برمته منذ تأسيس الكيان، فإسرائيل لا تريد محبة العرب ولا تريد علاقة جوار معهم , فهي موقنة انها كيان غريب وطارئ , وتعلم أنها لن تكون جزءا من منظومة العالم العربي , لأنها تعلم أن وجودها بينهم خارج سياق التاريخ والمنطق، وأنها جاءت بالقوة وستعيش بالقوة وتموت بها، وبالتالى لا بد أن تحيا وهي قابضة على الزناد.
وهذا ما يطبقه -بكل أمانة- لتراث أسلافه رئيس الوزراء الحالى بنيامين نتنياهو في غزة اليوم , باختصار وبحسب عقيدة الردع التصاعدي فإن إسرائيل ستنكّل بالفلسطيني المقاوم في غزة حتى يستسلم مثلما فعل غيره .
فالكيان العبري لا يريد أن يتغير وليس مستعد لتقديم أي بارقة امل للتغيير , ويُريد أن يتغير العرب والفلسطينيون , بحيث يقبلون بواقع الاحتلال المُتغطرس بوصفه قَدرا وحياة , وهذا ما قبله عرب كثيرون وفلسطينيون اكثر , بل ان السلطة الوطنية الفلسطينية اكثر القابلين به بعد أن تمتعت بامتيازات سلطوية وثروات ومناصب , قبل أن يضعها التغطرس الإسرائيلي في خانة صعبة بحيث لم تعد تحتمل ولا تستطيع تنفيذ الإملاءات الإسرائيلية .
السلطة الفلسطينية ورئيسها فقدا القدرة والاحتمال على تنفيذ مطالب إسرائيل بعد كل امتيازاتهم فما بال الحال بأهل غزة المحاصرين والمُنكَّل بهم ليل نهار , وكيف ستقبل حركات فلسطينية أن تتنازل عن كل شيء مقابل لا شيء , فما تريده إسرائيل من الفلسطينيين ليس القبول بالسلام على الطريقة الإسرائيلية بل تريد الإذعان له والدعاء بيقين باستمراره , وكل ما نطلبه من غزة ومقاوميها أن يجعلوا الاستسلام مستحيلا مثلما جعلت إسرائيل السلام مستحيلا أيضا على أمل يعتدل ميزان الواقع قليلا وترتفع كلفة الاحتلال الإسرائيلي .
الآن ثمة حرب مسعورة تقوم بها إسرائيل على قطاع غزة وسيزداد السعار كلما سقط المزيد من الجنود الصهاينة , فإسرائيل لن تُغير عقيدتها ونتنياهو لن يتنكر لتراث أجداده كما تنكر عرب كثيرون , وعلى المقاومة أن ترفع من كلفة الحرب أكثر والأهم أن تصل الى هدنة عادلة تحقق مطالب الشعب الفلسطيني في غزة , بالمعابر والصيد والتواصل مع الضفة , وعكس ذلك ستكون الحرب مجانية , وسيذهب الدم الفلسطيني في مصارف التاريخ ولن يرحم الشعب من فرّط بدمه وأبنائه مجانا .
وبالتوازي مع حرب إسرائيل على غزة ثمة حروب أكثر خطورة وإيلاما أخطرها النزعة الطارئة المعادية للمقاومة التى انتشرت بين كتّاب عابرين فى زمن عابر, والذين يقولون بالفم الملآن “ نحن قبلنا بالواقع فلماذا لا تقبل المقاومة “ وتُزيل الشر عن البلاد والعباد , فهم يخلطون بين التحليل للواقع الذاتي والموضوعي لحركة حماس وحاجتها الى حرب تسترد فيها رداء المقاومة وبين انحيازهم الغريب والعجيب للقاتل الإسرائيلي , فتحليل الحرب غير الدخول فيها والوقوف في خندق المقاومة بصرف النظر عن تباينات المواقف الحزبية والسياسية.
لا نريد المعجزة من غزة ومقاومتها , نريد فقط أن نجعل الاستسلام مستحيلا كما جعلت إسرائيل السلام سابع المستحيلات.
الدستور