امام مجلس النواب, وفي معرض تبريره لاجتماعه غير المعلن مع (اراد) أعلن وزير الخارجية ناصر جودة بان "الدبلوماسية الاردنية ستكثف اتصالاتها مع مؤسسات المجتمع المدني الاسرائيلي للضغط على حكومة نتنياهو للقبول بالسلام واقامة الدولة الفلسطينية" وهو ما يذكرنا بقصة اجتماعات العقبة في صيف عام 2007 بين عدد من الشخصيات الاردنية وبين (ممثلي المجتمع المدني) الاسرائيلي لاقناعهم بعملية السلام التي توقفت بسرعة بعد ان تبين ان هؤلاء الممثلين ليسوا سوى صهاينة متطرفين من ماركة ليبرمان.
والشيء بالشيء يذكر, تعيدني طروحات جوده الجديدة الى مقالة ساخرة للزميل احمد حسن الزعبي, علق فيها على اعلانات كانت دبلوماسية السلطة الفلسطينية قد بدأت نشرها في الصحف الاسرائيلية قبل 3 سنوات وفي اطار (اجتهادات) الدبلوماسية العربية باقناع المجتمع المدني الاسرائيلي بالضغط على حكومته لاقناعها بعملية السلام. كتب الزعبي انذاك "اذا كان اعلان تجاري مخطوط بالحبر, مكتوب بالعبري, مدفوع الاجر, سيستعيد وطنا. اذا فاحجزوا للكرامة العربية صفحة كاملة في صفحات النعي".
وللتذكير ايضا, فانه لم تمض عدة اشهر على تلك الاعلانات حتى قامت اسرائيل بحربها الاجرامية على غزة "الرصاص المسكوب". ثم, وبعد اشهر قليلة فقط, كان المجتمع الاسرائيلي كله يتجه بقوة نحو اليمين ليأتي بنتنياهو وليبرمان الى قمة السلطة في الكيان الصهيوني.
من سوء الطالع, لتصريحات وزير الخارجية, انه وفي اليوم نفسه الذي كان يتحدث فيه امام النواب بكلمات عمومية عن دبلوماسيته, كان ليبرمان (وزير خارجية اسرائيل) يعلن بان "لا اتفاق مع الفلسطينيين قبل 10 سنوات" وباتفاق مرحلي متدرج. في الوقت ذاته كان محمود عباس يعلن بانه قد سلك اربع مسارات محاولا استئناف عملية السلام لكنها فشلت جميعا .
المجتمع المدني في اسرائيل يجهز لحرب جديدة مدمرة وشاملة ضد لبنان وقد تمتد الى سورية وايران كما ان هذا المجتمع المدني انخرط خلال الاسبوع الماضي في تدريبات حربية للاستعداد لهجوم مزعوم بالمواد الكيماوية. وفيما تواصل قيادة "الجبهة الداخلية" توزيع اقنعة واقية من الغازات على الاسرائيليين اعلن موفاز رئيس لجنة الامن بالكنيست بان الحرب قادمة لا محالة. فاننا نتساءل عن فرص نجاح وزير خارجيتنا في اقناع الاسرائيليين بالضغط على حكومة نتنياهو للقبول بالسلام بينما هم يستعدون ليل نهار للحرب, فهل هذا وقت مناسب او يشجع على مثل هذه الدبلوماسية!!
وبالمناسبة ايضا, لقد انشغلت وسائل الاعلام الاسرائيلية والعربية بما دار من نقاش بين نتنياهو وبين لجنة الامن في الكنيست, نقاش تناول كل صغيرة وكبيرة في السياسة الخارجية والامنية مما يجعلنا كمراقبين ومتابعين, نتمنى ان يأتي اليوم الذي يجلس فيه وزير الخارجية امام ممثلي الشعب وامام الرأي العام والصحافة ليناقش تفاصيل دبلوماسيته وتحركاته, ماذا يفعل, وماذا لا يستطيع فعله, ماذا انجز وبماذا فشل! فاذا لم تناقش السياسة الخارجية للبلد في البرلمان وامام الصحافة وبأدق تفاصيلها وخفاياها فكيف سيقتنع الرأي العام بسياسة بلاده ويدعمها ويشارك قيادته في الاطلاع على التحديات والقيام بالواجبات المطلوبة منه.
قبل يومين كتب جهاد الخازن, الكاتب الرئيسي في الحياة في عموده اليومي يرجو الرئيس حسني مبارك بان لا يستقبل نتنياهو, لانه "مجرم حرب ودجال فأنت لن تسمع سوى الكذب". أنضم الى الخازن وادعو جوده وجميع المسؤولين في الاردن ان لا يستقبلوا نتنياهو ولا واحدا من زمرة حكومته العنصرية الفاشية المتطرفة, فهذا افضل وانجع الوسائل للضغط عليه. واذ اعرف ان رجائي لن يتحقق كما حدث مع جهاد الخازن, فمبارك استقبل نتنياهو في شرم الشيخ الا ان مثل هذه الدعوة الى المسؤولين في مصر والاردن, هي تعبير عن رفض الرأي العام العربي سياسة الاستمرار في الاتصالات مع قادة اسرائيليين بمختلف المستويات, فهذه ليست وسائل ضغط ابدا, لان وسائل كهذه مكانها دبلوماسية اخرى مختلفة بالشكل والمضمون.
العرب اليوم