مؤشرات تقارب بين الأردن و«حماس» بمساعدة قطر
التحالفات الجديدة في المنطقة تملي على الأردن و«حماس» شق طرق جديدة لإعادة ما انقطع بينهما وتغيير خطوط اصطفافاتهما السياسية للتعامل مع التحديات الإقليمية والدولية الضاغطة منذ هبوب رياح التغيير العربي.
فبعد سنوات من المراوحة الأردنية؛ خشية توتير العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن ومع أعضاء مثلث السلام (إسرائيل والرئيس الفلسطيني وواشنطن) رُصدت في عمان خلال الأسابيع الماضية إرادة سياسية عليا بأهمية استثناف العلاقات مع الفصيل الفلسطيني لضمان الحد الأدنى من المصالح الأردنية في إقليم متغير، وفق مسؤولين حاورتهم «الحياة».
لكن حال صانع القرار كحال «من يخشى إدخال دب إلى كرمه». فتكلفة التطبيع باهظة داخلياً وخارجياً، في ضوء تأثير «حماس» في الحركة الإسلامية الأردنية التي تقود المعارضة السياسية وتمثّل الكثير من الأردنيين من أصول فلسطينية ممن لا يؤمنون بجدوى عملية السلام الشرق أوسطية. ولن تستطيع المكونات الرسمية في الدولة تحمل نتائج السماح لـ «حماس» بنقل قيادتها السياسية إلى عمان وعودة نشاطها السياسي والإعلامي كما كانت الحال قبل 1999.
إذاً، لا بد من التفكير بطرق جديدة لرسم حدود العلاقة، وعلى نحو تدريجي يأخذ بالاعتبار الضرورات ومتطلبات طويلة المدى للطرفين.
استيعاب المعارضة الاردنية
يقول مسؤول أردني: «قد تكون البداية من خلال السماح لقادة حماس - من حملة الجنسية الأردنية - بحرية التنقل من وإلى المملكة بعد تسوية الهواجس الأمنية عبر دائرة المخابرات العامة».
أردنياً، تأتي عودة الدفء إلى العلاقة مع «حماس» في ظروف بالغة التعقيد وقابلة للتفجير في أي لحظة. في هذا السياق، يسوّق مسؤولون الرغبة في المصالحة نتيجة تغيير في أجندة الطرفين.
ويصر عدد من صناع القرار على أن تحسن العلاقات بين الطرفين قد يمهد لاستيعاب المعارضة الإسلامية المؤثرة في الحراك السياسي والمجتمعي الأردني الدائر منذ بداية العام والمطالب بإصلاح حقيقي ومحاكمة رموز الفساد. مثل هذا التفاهم قد يوفر فرصة أخيرة لصانع القرار حتى يلتقط أنفاسه ويركز على خريطة طريق لتأمين طوق نجاة الأردن في محيط مضطرب.
فالإسلاميون يستغلون الظروف لتعزيز دورهم السياسي ونفوذهم في الشارع بعد أن قاطعوا الانتخابات التشريعية الأخيرة، وفضّلوا عدم الانضمام للحكومة الجديدة برئاسة القاضي الدولي عون الخصاونة من أجل الإبقاء على خيارات التصعيد الشعبي لانتزاع مطالبهم. كما هددوا بمواصلة مقاطعة الانتخابات البلدية إن لم تلبَّ مطالبهم.
تحسين العلاقات مع «حماس» يرضي أيضاً القوى الوطنية غير الإسلامية والمتقاعدين العسكريين ممن يخشون التهديد الإسرائيلي - الفتحاوي ضد الأردن مع انسداد أفق قيام دولة فلسطينية مستقلة واستمرار النشاط الاستيطاني.
وها هي السلطة الفلسطينية تسرب معلومات عن قرب حلّها في الشهر المقبل، تاركة الضفة الغربية على فوهة بركان.
الهجمة الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن تستدعي تحالفه مع فصيل يمثّل مكوناً فلسطينياً رئيساً في الداخل والشتات، ويحمل موقفاً حازماً من الوطن البديل وحق العودة، ما يعزّز موقف الأردن ويحمي الهوية السياسية التي تؤجج مشاعر الكثيرين. فبحكم الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ، لم يعد بالإمكان قبول فكرة أن الحكومة الأردنية غير قادرة على التواصل علناً مع طرف فلسطيني قوي ونافذ.
تحسن العلاقات مع حماس - بوساطة قطرية واضحة - سيقود إلى تعزيز العلاقات مع الدوحة، وبالتالي إزالة عقبة أخرى من طريق انضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي. كذلك يفتح الباب أمام تشغيل جيش العاطلين من العمل. فحتى اليوم، تبدو المملكة العربية السعودية والإمارات، الطرفان الوحيدان داخل المجموعة السداسية، اللذين يؤيدان دخول الأردن إلى مجلس التعاون وفق قرار أعلن قبل شهور. إذ كانت المواقف متباينة في الاجتماع الأول بين وزير الخارجية ناصر جودة ونظرائه الخليجيين قبل شهرين في جدة. فوقفت سلطنة عمان والكويت ضد المشروع، وموقف قطر كان متأرجحاً ربما بانتظار نتائج قمة المجلس السنوية الشهر المقبل.
غضب سوري
في غمرة الربيع العربي، يتنامى دور الإسلام السياسي في دول التحول العربي مثل تونس، ومصر وليبيا بدعم من المحور الأميركي - التركي والقطري مقابل محور «الممانعة» الإيراني المؤثر في العراق، وسورية ولبنان. وحماس جزء من تنظيم الإخوان العالمي، بل ذراعه العسكرية.
إقليمياً، لم يعد النظام السوري يرغب في بقاء مشعل وسائر أعضاء المكتب السياسي في دمشق. فالأسد ورجال حكمه لا يخفون استياءهم من «حماس» وتحالفاتها السائرة على طريق التفاهم مع أميركا، كبديل للأنظمة القديمة التي اتكأت عليها واشنطن لعقود لحماية مصالحها الاستراتيجية.
نظام الرئيس بشار الأسد غاضب من دور إخوان سورية في المواجهات الدموية بين النظام والشارع المطالب في غالبيته بإصلاحات سياسية. وستجد «حماس» نفسها قريباً خارج سورية، تبحث عن دولة عربية تحتضنها، وخياراتها تدور بين مصر والسودان وقطر والأردن. وفي غياب حضن عربي، قد تتوجه لطهران ما يضعها تحت هيمنتها الحصرية. «ومن مصلحة عمان أن لا تفقد دول عربية رئيسة فرصة التأثير في قرار حماس» وفق ما قال ديبلوماسي عربي.
تأهيل «حماس»
انفراج العلاقة بين «حماس» وعمان سيساعد الأخيرة على استعادة دورها المتراجع في الملف الفلسطيني، وتحديداً تعزيز فرص المصالحة الحماسوية - الفتحاوية بعد أن كان الملف السياسي والأمني حكراً على نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك. كما قد تتوافر للأردن فرصة المساهمة في إعادة تأهيل «حماس» كقوة تفاوض، من خلال تطويع شروط الرباعية الدولية. وقد يساهم الأردن في تخفيف أخطار انفجار الوضع في غزة في أي لحظة.
في المقابل سيكون حجم التحديات كبيراً أمام تحسين علاقة الأردن بحماس.
ففي حال سقوط نظام الأسد، سيرتفع سقف مطالب الإسلاميين في الأردن بطريقة قد تتعدى شعار «إصلاح النظام». وأي تقارب أردني - حمساوي سيقوي الإسلاميين، ما يهدد النظام والأمن والاستقرار.
وجود «حماس» الدائم في الأردن يعني أيضاً إمكانية اتحاد المرجعية الإسلامية الفلسطينية في فلسطين والأردن، مع المرجعية الأردنية التي تمثل أيضاً المكون الشرق أردني في المطالبة بمواقف أكثر تشدداً حيال السلام والإصلاحات السياسية.
الأهم، أن الأردن سيكون تحت تأثير تداعيات نتيجة التحولات العاصفة في المنطقة بعد انهيار ما كان يسمى بـ «معسكر الاعتدال» وغموض مستقبل «الممانعة».
فإيران سواء بقيت سورية في محورها أم خرجت منه - ستظل قوة رئيسة في المنطقة مقابل محور بقيادة تركيا ودعم قطر. ودور قطر كان واضحاً في الانتخابات التونسية لمصلحة حزب النهضة الإسلامي وفي ليبيا لمصلحة المجلس الانتقالي، وفق ما يقول مسؤولون.
إيران إذاً، ستظل الطرف الأكثر تأثيراً في العراق - عمق الأردن - وسيكون لها دور في لبنان وفلسطين بحكم حزب الله وحماس، مع تراجع تأثير إدارة أوباما المنهمك في معركة الانتخابات الرئاسية نهاية العام المقبل. وفي الأثناء تزداد أخطار التهديد الإسرائيلي ضد الأردن على وقع خيار الوطن البديل.
في ما يتصل بواشنطن، سيفسر الأردن أسباب تقاربه مع «حماس» من باب ضرورة تهدئة الجبهة الداخلية، وفكرة إبعاد الحركة عن إيران ومحاولة التأثير في موقفها من حل الدولتين. كما أن التقارب لن يعجب تل أبيب أيضاً، تماماً كما حصل قبل ثلاث سنوات حين فتح الأردن قناة تواصل أمني مع حماس، ما لبثت أن أغلقت تحت وطأة الضغوط والتهديدات.
في الأثناء، يستعدّ ولي عهد قطر لزيارة الأردن بعد عطلة عيد الأضحى برفقة خالد مشعل للقاء الملك عبدالله الثاني والتقاط الصور قبل العودة إلى الدوحة، لتبدأ بعدها عملية المصالحة.
لطمأنة الأردن، تستعد جماعة الإخوان المسلمين الدولية للإعلان عن إنشاء جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين لمأسسة فك الارتباط مع إخوان الأردن بطريقة أكثر وضوحاً.
الأردن و «حماس» يرغبان الآن في فتح القنوات المغلقة بما يخدم الطرفين. لكن على الأردن بلورة استراتيجية سياسية - أمنية تحدد أسس العلاقة في اليوم الثاني للزيارة.
بات خيار فتح حوار استراتيجي بين الطرفين ضرورة بعد إعادة تعريف المصالح، بخاصة في ضوء سيناريوات مفتوحة لمستقبل العملية السلمية، وتهديد عباس بحل السلطة الفلسطينية، ما يستدعي من القيادة السياسية الأردنية استخدام أوراق متعددة.
التحولات المتسارعة داخل الإقليم وخارجه تتطلب تحركاً أردنياً ليس كدولة فقط وإنما كنظام سياسي. ولا بد من تنويع الخيارات ورسم خريطة طريق داخلية عنوانها إصلاحات سياسية تحمي النظام، وإقليمية ودولية تساعد على مجابهة الأخطار. يقول مسؤول أردني إن «الأردن يستحق أن يكون من الرابحين في المخاض المستعر منذ ربيع تونس وليس من الخاسرين».
الحياة اللندنية