اعلن رئيس مجلس النواب بان المجلس سيناقش "قانون الانتخابات, هذا الاسبوع" وانه سيتم توجيه الدعوات لكافة مؤسسات المجتمع والفعاليات الوطنية والاجتماعية للمشاركة في مناقشة القانون والوقوف على ارائهم حوله.
بهذه المناسبة, حان الوقت لمراجعة المواقف من مسألة (صياغة) قانون انتخابات جديد. من منطلقين يفرضان نفسيهما على الحالة السياسية القائمة. (1) فشل الطريقة الرسمية المعتمدة لوضع هذا القانون, سواء من خلال قانون مؤقت تصدره الحكومة في غياب مجلس النواب, او من خلال اقراره كمشروع في المجلس في ظل مشاورات مع مؤسسات المجتمع المدني لا تهدف الى تسجيل نقاط اتفاق انما تعتمد القاعدة الرسمية الشهيرة "قل ما تشاء وانا افعل ما اشاء".
(2) اصبح قانون الانتخابات (الصوت الواحد) عقدة الاصلاح في البلاد, والعقبة التي تعترض طريقه, لذلك فان حل هذه العقدة وازالة هذه العقبة الكأداء ليسا في يد مجلس النواب ولا الحكومة بعد ان اثبتت التجربة منذ عام 93 وحتى اليوم, ان سبب بطء الاصلاح السياسي واحيانا تقهقره الى الخلف هو ان الملك يوجه الحكومات والمؤسسة التشريعية الى صياغة قانون انتخاب عصري. لكن عند تنفيذ التوجيهات الملكية تفرض قوى مختلفة في الحكومة وفي مجلس النواب, مخاوفها ومصالحها وايديولوجياتها, للحفاظ على جوهر القانون الحالي المستمر منذ 18 عاما بما يجعل صفة "العصرية" والديمقراطية بعيدة جدا عنه, وهو ما يخالف توجيهات الملك.
بعد حل مجلس النواب السابق, وبدء الحديث عن وضع قانون انتخاب جديد كانت هناك فرصة تاريخية, لم تستغل, لاحداث نقلة واسعة في مسيرة الاصلاح, اليوم تتجدد الفرصة بوجود القانون المؤقت لعام 2010 امام مجلس النواب. لكن ما اخشاه ان تضيع الفرصة مرة اخرى بتكريس هذا القانون من دون تعديلات جوهرية.
ادعو الى التريث وعدم الاستعجال في مناقشة القانون واقراره, خاصة وانه سيكون "الناظم للحياة السياسية في الاردن". كما وصفه الملك في خطاب افتتاح المجلس الجديد كما ان الانتخابات المقبلة تحتاج الى 4 سنوات. وهناك وقت كاف (لصناعة وطنية) تنتج القانون الدائم والناظم.
لقد مرت البلاد منذ ذلك الخطاب بتطورات شكلت مناخا ضاغطا, ما يستدعي وقفة للمراجعة لاجتراح حلول جذرية للاصلاح, على الاقل للعقد المقبل, تُبْنى عليها الخطوات الصحيحة التي يستقبلها الناس بالرضا, ولا يوجد ما هو اهم من قانون انتخاب ديمقراطي, يجذب الجميع للمشاركة, وقادر على تطوير الحياة السياسية وتنظيمها.
واذا جاز لي تحديد الهدف من الاصلاح المنشود, بما يكرس وحدة الشعب والتفافه حول النظام الملكي الديمقراطي, فهو (1) وضع قانون انتخابات يسمح بل يشترط, اجراء انتخابات بشعارات برامجية تنافسية تجمع المواطنين ولا تزيد فرقتهم واختلافاتهم, بسبب الدائرة الصغيرة ونظام الصوت الواحد.. انتخابات يختار فيها المواطن مرشحه ليس لعشيرته وانتماءاته الجهوية والاقليمية انما على اساس لون قائمته السياسية وبرنامجه الانتخابي (2) ان يكون هدف القانون الجديد تكريس وجود معارضة قوية في المجلس, ان اي انتخابات في العالم لا تكتسب صفة الديمقراطية ان لم تؤد الى ايصال المعارضة للبرلمان ببرنامج منافس للحكومة او للاغلبية (الحكومية - البرلمانية).
الاجماع على مثل هذا القانون ممكن اذا ما اتفقت على بنوده الاساسية (الاصلاحية) لجنة مختارة, على غرار لجنة الميثاق الوطني, حيث تتحول الحوارات والمشاورات فيها بين فعاليات المجتمع واحزابه من جهة وبين مؤسسات الدول وسلطاتها من جهة اخرى الى بنود ميثاق جديد, يحل عُقد المشاكل القائمة والمتوقعة في حياتنا السياسية والاجتماعية, بنظرة استراتيجية تؤمّن الامن والاستقرار والتحولات الديمقراطية على قاعدة تنمية الثقة بين الدولة والشعب, بكل اطيافه واصوله ومنابته.
هكذا فعلت اسبانيا عندما انتقلت الى الديمقراطية والحريات العامة بعد ان كانت تنتمي الى العالم الثالث وسط اوروبا, في العبور الى الديمقراطية بتجاوز وهكذا فعلت البرازيل عندما تجاوزت الخوف من سيطرة الكنيسة الى تعددية الاحزاب على اسس الحرية وحقوق الانسان, والامر كان كذلك بالنسبة لبولندا عندما نجحت في العبور الى الديمقراطية بتجاوز تصلب الكنيسة وايديولوجية الحزب الشيوعي.
العرب اليوم