لامجال للتسامح مع الخطاب التحريضي في الأردن

لامجال للتسامح مع الخطاب التحريضي في الأردن
الرابط المختصر

هنالك عامل مشترك واحد بين كافة الدول التي سقطت في مستنقع الفتن الطائفية والسياسية في العالم العربي في فترة ما يسمى الربيع العربي وهي انتشار الخطاب التحريضي في الإعلام في تلك الدول. الكلام التحريضي الذي يصنف الناس حسب الأهواء والمزاج ويوزع الاتهامات ويعمل على إشعال المشاعر الدينية والطائفية والعرقية وكافة أشكال الفوضى ربما ليس “عنفا” بحد ذاته ولكنه يقود للعنف والدمار ولا يمكن أبدا اعتباره “تعبيرا حرا وسلميا عن الرأي” عندما يستهدف فئات ومجاميع كاملة من البشر والمواطنين.

اعتدنا في الدول العربية أن نرى الحكومات ترفع القضايا وتقوم بالاعتقالات للمثقفين والصحافيين الذين يبدون آراء معارضة لا تعجب الدولة، وأعتدنا أن يقوم أفراد من الناس باتهام بعض المثقفين بمعاداة الدين ويرفعون عليهم قضايا “حسبة” تهدد حياتهم وتطالب بتفريقهم عن زوجاتهم بعد تكفيرهم. كل هذا يعتبر إلغاء لحق الرأي من قبل سلطات لا تملك الحق في مصادرة الكلام، ولكن عندما يتم تهديد السلم الاجتماعي عن طريق تصريحات خطابات مليئة بالكراهية من حق المجتمع أن يتحرك.

عشنا في الأردن منذ بداية نشأة الدول ضمن سياق مجتمع واحد يحترم المساواة الدستورية ويرفض التحريض. في السنوات الأخيرة ارتفعت وتيرة الخطابات التحريضية من منطلقات دينية وطائفية وإقليمية وسياسية وبات من الضروري لجمها قبل استفحالها. مجموعة من المواطنين تصدت لمسؤولية مقاومة هذا الخطاب بطريقة ذاتية عندما تمكنت من إقناع قناة تلفزيونية وشبكة إذاعية من إلغاء برامج كان يفترض أن يقدمها “داعية” شتم الشيعة والأخوة السوريين ومواطنين أردنيين آخرين في خطاب تحريضي بائس، وكذلك “كاتب ومثقف” أساء للأخوة المصريين والعراقيين والسوريين. مثل هذا التحرك ليس “مصادرة لحرية الرأي” بل حق مشروع لفئات من المجتمع ترى في الخطاب التحريضي ما يهدد استقرار البلاد.

مجتمعات عربية كثيرة انقسمت على نفسها إلى درجة تبرير قتل المختلفين في الرأي والمعتقد والعرق والموقف السياسي والسبب في الوصول إلى هذه الكارثة كان الخطاب التحريضي الذي ساهمت وسائل إعلام كثيرة في نشره وخاصة الفضائيات والإعلام الجديد بدون أدنى حد من المسؤوليات الوطنية والأخلاقيات المهنية. التسامح مع هذا الخطاب يبدأ ضمن سياق مبدأ “حرية الرأي” ولكن الأمر يتجاوز ذلك ليصبح مساهمة مباشرة في العنف والفوضى والإنقسام. مجتمعنا الأردني ليس محصنا من عوامل التفرقة والانقسام وهنالك جهات تعمل بطرق خبيثة أو ساذجة على وضع الناس في معسكرات متناقضة متماثلة لشعار “من ليس معنا فهو ضدنا” لجورج بوش أو استخدام الأخوان المسلمين لجملة “فسطاط الحق وفسطاط الباطل” لتصنيف الناس حسب أهوائهم.

تحية لكل أردني يتخذ موقفا واضحا وبلا رتوش ضد الخطاب التحريضي والانقسامي، وعلينا أن لا نتسامح أو نستكين تحت حجة “حرية التعبير” لأن الكلام الذي يجعل فئات المجتمع تواجه بعضها بعضا لا يمكن أن يندرج تحت نطاق الحرية المسؤولة التي يكفلها الدستور.

الدستور

أضف تعليقك