كل هذا التعقُّل والحكمة، فمن هو المجنون ؟

كل هذا التعقُّل والحكمة، فمن هو المجنون ؟

بكثرة استثنائية، ترددت خلال الأيام الماضية كلمات مثل: الحكمة والعقل والتعقل والاتزان والتسامح، وأوصاف مثل الحكماء والعقلاء وأصحاب الخبرة وغيرها، ومع ذلك فإن كثيرين منا كانوا وما زالوا يشكون من انتشار جنون واسع.

كلامي هنا يخص ما دار وسوف يدور في الأيام المقبلة من جدال بين المعارضة (الإخوان تحديداً) وبين الموالاة.

لا بأس في هذا الصباح من قدر من المداعبة للطرفين بعقلائهما (الذين هم بنظر الفريق الآخر مجانين) وبمجانينهما (الذين هم بنظر أنفسهم عقلاء). فلا يمكن لمراقب أن يصدق فريقاً ويكذب الآخر بالمطلق، فقد ظهر كل منهما في غاية الانفعال و"الصدق" وهو يتحدث عن نفسه أو وهو يصف الآخر، إن المصداقية (أو المكذابية) متقاربة هنا.

وبالطبع فإن قارئاً لكلامي هذا، من أي من الفريقين، سيتهمني بانعدام الحكمة والتعقل ولسان حاله يسأل: كيف لعاقل أن يساوي بيننا وبين الآخرين؟ وهو ما يعني أنني سأكون مجنوناً بنظر كل من الفريقين لأني لم أستطع أن أرى عقلانيته من جهة، وجنون خصمه من جهة أخرى.

في الثقافة والتفكير الدارجين، نتعامل مع العقل باعتباره عنصراً خارجياً عن ذواتنا، ولهذا مثلاً قد يقول الواحد منا: "عقلي يقول لي اعمل كذا أو لا تعمل كذا"، أو "قال لي عقلي كذا ولكني ما طاوعته"، وربما يتعين علينا أن نتفحص بعمق طرفي حوار الفرد مع عقله بهذه الطريقة.

لدينا قاعدة عقلية شعبية شهيرة تقول: "إذا انجنوا رَبْعك عقلك ما بِنْفعك"، فهل تسمحوا لي باقتراح شطر مكمّل لهذه القاعدة يقول: "وإذا عِقْلوا ربعك جْنانك ما بنفعك"؟ فبهذه الطريقة سيتضح أن التعقل والجنون مسألتان اختياريتان إلى درجة

العرب اليوم

أضف تعليقك