كفاءة الادارة تُدمَّر في (البلديات)
نعيش لحظات كاريكاتورية. مشاريع تتوقف في منتصف الطريق, وقرارات ادارية تنسف ما قبلها, والاضرار بالجملة. حصيلتها كلام في كلام وآراء متناقضة يتداولها الناس وكأننا دولة (بنت مبارح) وليس عمرها تسعين عاما بالتمام والكمال.
من البرجين الخاليين اللذين امتطيا صهوة عَمّان فأفقداها الشعور بالتجديد الى خط الباص السريع الذي ما ان تبدأ بالسير بسيارتك في موازاة شارعه الجديد من طلعة صويلح الى نزلة (ابو صوفه) حيث تَوَقَّفْ, حتى ترتسم على فمك ابتسامة مريرة مما يجري. اما دمج البلديات وفكها, فقصة اخرى. (اشي بده واشي ما بده) هذا ما انقسم عليه رأي الاردنيين في احتجاجات واعتصامات واغلاق بلديات.. هكذا. وكأنه لم يكن في البلاد على مدى عقود طوال افضل ادارة في المنطقة, حيث كانت تجرى الانتخابات البلدية بمنتهى اليسر والسهولة!
هناك دمج بين البلديات اعطى ثماره الطيبة, وهناك ما ادى الى اضرار وفشل. وفي كلتا الحالتين فإن المسؤول هي (الادارة). فمن أخَذَ قرارات غير صحيحة بالدمج هو الاداري مثل ابتعاد المسافة بين البلديات موضوع الدمج. ومن اخذ قرارا بدمج بلديات متجاهلا خصوصيتها واهمية الحفاظ على طبيعتها الثقافية والاجتماعية هو الاداري ايضا. لكن افدح الاخطاء التي ارتكبت كان توظيف (الالاف) في بلديات كبرى (معظمهم فائض عن الحاجة) ومثل هؤلاء ماذا سيكون مصيرهم في حالة التفكيك?
ردود الفعل الغاضبة عند بعض الفئات الشعبية التي تطالب بانفصال بلدياتها, بعضها محق وبعضها غير عادل ومضر بالمصلحة العامة, لذلك يجب ان لا تنقاد الادارة الى معالجة الاخطاء الادارية باخطاء اخطر منها. لان استحداث بلديات على اطلال الدمج لا يحدث (بجرة قلم) انما يعطى الوقت الكافي لمعالجة مطالب الفصل واجراء دراسات كافية لتشخيص النجاح والفشل ومعرفة اسباب كل منهما.
في كل الاحوال, ليس في مصلحة الوطن بشكل عام والمواطن بشكل خاص, ان تُستثمر حالة (المسيرات والاحتجاجات) العامة من قبل فئات او افراد لفرض ارادتهم على الدولة والمجتمع في التقسيمات البلدية الجديدة وغايتهم في ذلك احداث مناصب بلدية للوجاهة, وكأن هذا (اللي ناقص البلد) التي تمر في ظروف تاريخية تستوجب ايقاظ الروح الوطنية, وانعاش ادبيات المصلحة العامة التي هي اكبر من الافراد والعشائر والمنافع الضيقة.
من المؤسف حقا ان تفشل (الادارة الاردنية) ذات الكفاءة والسمعة الجيدتين في هذا الاختبار, المليء بالمطبات ونُذُرِ الوقوع باخطاء كبيرة. ما كان يجب الوصول الى هذه الحالة باعتماد الحكومة لاسلوب المفاجأة في عمليات استحداث بلديات جديدة, وكان من الافضل ان يتم التعامل مع جميع الحالات التي طالبت بالفصل بكل شفافية ووضوح. وتبصير المجتمعات المحلية باضرار الدمج في حالة التوجه (للفصل) ومنافع الدمج عند رفض الفصل, ثم اعلان القرار الصحيح قبل البدء بالعملية الانتخابية.
يخشى انه قد تم الاندفاع لاجراء انتخابات بلدية تحت ضغط الاجواء العامة, المنادية بانجاز خطوة ديمقراطية, وكان مثل هذا الاندفاع مفيدا لو انه تم على اساس الوضع القائم للبلديات, لكنه وبتزامنه مع وضع قانون جديد اخذ من مسألة (التفكيك) هويته الاستثنائية, فان ردود الفعل السلبية في المجتمعات المحلية المختلفة شوهت الهدف والغاية منه بإجراء انتخابات حرة ونزيهة, تخدم شعار الدولة الاصلاحي. وما حدث هو ارباك جديد وازمة اخرى تضاف الى الساحة الداخلية هي في غنى عنها لان اضرارها فادحة كما انها تمس بكفاءة وقدرة الادارة الاردنية ان لم تدمرها
العرب اليوم