قناعات أردنية: الإصلاح شكلي
تغيير هذه القناعات هو المهمة الصعبة التي تواجه رئيس الوزراء المكلف الدكتور عون الخصاونه. وهو قد اعطى اشارات عن ذلك عندما اعلن بأن "مهمته هي اعادة ثقة الشارع بالنظام السياسي وبالحكومة عن طريق فتح الحوار" فهل سينجح الرئيس الجديد في مهمته?.
نتمنى ذلك. فالاردنيون ليسوا سعداء بحالة عدم اليقين من نجاح العملية الاصلاحية في بلادهم. واكثر من ذلك, الجميع يريد الخروج من اللغز المحير الذي يعبر عنه الاردنيون في العلن وفي جلساتهم من خلال التساؤل: هل النظام جاد في الانتقال الى الديمقراطية ام لا?. ولولا دخول الملك على الخط "وفق التعبيرات الشعبية" بين وقت وآخر لتحقيق خطوة جديدة على طريق الاصلاح لكان الناس "وليس الاحزاب ومجموعات الحراك الشعبي" فقط قد قطعت الشك باليقين بانه لا توجد اصلاً نية للاصلاح.
في الـ 9 أشهر الاخيرة أُنجزت التعديلات الدستورية واصبحت جزءاً من الدستور كما تم وضع مشروعي قانوني الاحزاب والانتخابات, لكن هذا كله لم يغير سطراً في بيانات احزاب المعارضة, ولا في شعارات مسيرات يوم الجمعة التي تعبر عن القناعة بان الاصلاح "شكلي" وصوري. والسبب قد يكون ناجماً عن فشل النظام في تكوين تراكمات سياسية تولد القناعة بين الفئات السياسية وطبقات المجتمع بان العملية الاصلاحية تتقدم بخطوات ثابتة, وبان طريق الانتقال الى الديمقراطية اصبح ضرورة حتمية سيلتزم بتحقيقها النظام ومؤسساته وهو ما سيدفع جميع اطراف المجتمع المدني للمشاركة في هذا الالتزام.
للأسف, فان وثيقة التعديلات الدستورية, ووثيقة لجنة الحوار الوطني لم تحدثا أي تغيير كبير وملموس اولاً: لانهما لم ينجحا في اسقاط مبررات المعارضة والحراك الشعبي في الاستمرار بالمسيرات والاعتصامات واحياناً المواجهات. فالممارسات الحكومية والسياسات والقرارات والمعالجات في مواجهة الواقع الشعبي الساخط فشلت في سحب البساط من تحت اقدام المعارضة. بل عممت الشكوك في ماهية الاصلاح, وزادت القناعات الشعبية بانه اصلاح صوري وشكلي.
وثانيا, لان الوثيقتين لم تحدثا نقلة نوعية في العلاقة بين الشارع وبين النظام, كما انهما لم تخلقا قيماً سياسية جديدة من شأنها تغيير المناخ العام بما يشجع على الحوار, ويسمح بتوحيد التطلعات والاهداف بين الحكومة وبين الشارع السياسي والمجتمع. وعلى العكس بدل ان تتحول الوثيقتان الى جسر لممارسات سياسية ديمقراطية على مستوى الحكم والاحزاب والشارع, فانهما شكلتا محطات للتشكيك في نوايا الدولة بالاصلاح, وفتحتا المجال لرفع السقوف في الشعارات لأن اداء السياسة الحكومية والاجهزة لم يتغير ويتبدل بعد الوثيقتين الدستورية والحوار الوطني عندما وضعتا في اختبارات ميدانية عديدة بما اعطى الانطباع بان لا شيء جدي في الاصلاح. وبان ما تحتويه "التعديلات والقوانين المطروحة" مجرد حبر على ورق!.
الحوار مع جميع الاطياف الحزبية والسياسية, كما أعلن رئيس الوزراء المكلف, هو بالفعل الاداة الأمثل لتحويل قناعات الاردنيين بان الاصلاح ليس شكلياً, وانما عملية سياسية وتشريعية تراكمية تحتاج الى خارطة طريق بمواقيت ثابتة وقبل ذلك ان تتحول التعديلات والقوانين الاصلاحية الى سلوك سياسي واداء حكومي يؤسس لمعادلة وطنية جديدة يظلّلها الدستور والقانون تضمن بناء ديمقراطية للجميع, للنظام وللمعارضة وللمجتمع المدني.,. ديمقراطية المواطنة التي تحميها دولة القانون.
الحوار لا يكتمل بمجرد فتح بابي الديوان الملكي والحكومة امام الاسلاميين والأحزاب الأخرى فالحوار مطلوب أيضا مع قوى الحراك الاجتماعي , وهناك من الرسميين من ينكر التطلعات الشعبية التي تعبر عن نفسها في شوارع الطفيلة والكرك واربد وجرش ومعان وذيبان.. الخ بل سمعت من بعضهم من ينفي وجودها اصلاً. والواقع أن الحراك الاجتماعي في المحافظات يمثل عنصرا جديدا في المشهد السياسي على المستوى الوطني ولا بد من فتح حوارات شاملة مع ممثلي هذا الحراك , على قاعدة المصلحة العليا للوطن, "التي لا تكتمل بالتعريف الحكومي لها فقط وانما بالتوافق الشعبي حول هذا التعريف .
واهمية اخرى للحوار مع الحراك الشعبي في المحافظات انه يتميز بالجمع بين المطالب الاصلاحية ذات المحتوى السياسي وبين مطالب المجتمع المتعلقة بالبطالة ومشاكل الفقر والتنمية للحوار الخ, ما يضع امام الرئيس الجديد وحكومته, الطريقة الصحيحة للعمل على ان يكون الاصلاح شعبياً واصيلاً وليس صوريا وشكلياً.
العرب اليوم