قضية التشويش .. بين الاتهام والتشهير
واضح ان اتهامات فضائية الجزيرة للاردن في التشويش على مباريات المونديال في حزيران الماضي تتجه نحو التصعيد, فمنذ ان نشرت صحيفة الجارديان البريطانية هذه الاتهامات تم بث عدة أخبار وبرامج تتعامل مع هذه التقارير وكأنها حكم قاطع, بدأ ذلك بتأكيد الجزيرة لهذه الاتهامات بينما لم تتضمن الرسالة التي بعثتها للحكومة الاردنية أي دلائل او وثائق تعزز اتهاماتها.
وبموازاة ذلك يتم تجاهل رد الفعل الاردني, منذ البيان الذي صدر عن الحكومة تعليقا على ما نُشر في الجارديان الذي قَدّم نفيا حازما لهذه الاتهامات.
وفي الوقت الذي ابدى الاردن استعداده للتعاون في اجراء تحقيق حول قضية التشويش, ودعا "الجزيرة" الى تقديم ما بحوزتها من تقارير قيل انها تؤكد هذه الاتهامات, وهذا ما لم تفعله في رسالتها التي لم يكن فيها من جديد سوى تكرار ما ينشر من اتهامات.
في جميع الاحوال, نعلم ان "الجزيرة" تملك الاموال الكافية لتوظيف شركات اوروبية وامريكية لمتابعة القضية, واذا كانت هذه الشركات قد وجهت اتهامات الى الاردن بأنه المكان الذي انطلق منه التشويش, فان الطريقة التي يتم بها تسويق هذه الاتهامات إعلاميا تسيء الى سمعة الاردن وينطبق عليها اسلوب اصدار الاحكام والتعامل معها وكأنها حقائق قبل ان تكون هناك فرصة لعقد لقاءات بين ممثلي الحكومة وبين فضائية الجزيرة يكون فيها الخبراء حاضرين للتباحث حول حيثيات الاتهام وفحص التقارير التي يتحدثون عنها ثم الاستماع لوجهة نظر الاردن وموقفه من هذه الادعاءات.
رد الفعل الرسمي, من البداية, لم يكن متشنجا وغاضبا رغم الطريقة الاستفزازية التي تم بها تسويق تقرير الجارديان, والحكومة قامت بمواجهة هذه المسألة طوال الوقت بما تفرضه اساليب واخلاق الدولة الاردنية التي اكتسبت سمعة طيبة, إقليميا ودوليا, بوصفها دولة اعتدال يحكمها الدستور والقانون والحرص الدائم في الحفاظ على افضل العلاقات مع دول العالم وفي المقدمة الدول العربية. فالاردن, دولة ومواطنين, طالما واجه الاساءات وتحمل أوزار مواقف الآخرين السياسية والاقتصادية ضده ولم يقدم ابدا على ردود فعل سلبية بمستوى ما يتلقى من اساءات, فالروح القومية والعربية كانت القاسم الاعظم للسياسة الخارجية والعلاقات الأخوية مع الدول العربية.
لا يحق للجزيرة ان تواصل عملية التشهير بالاردن وتلطيخ سمعته بالاتهامات, فاذا كانت تملك أدلة كما تقول كان الاولى ان تحملها الى الحكومة الاردنية قبل ان تستخدم طرقا التفافية وملتوية للترويج لهذه الاتهامات, أما إذا كانت تمهد بهذه الحملة الى خلق رأي عام عربي ودولي ضد الاردن فان هذا يخالف القانون ومبادئ العلاقات الدولية حتى لو عرضت وثائقها على شاشتها الفضية, لان هذا الاسلوب يقوم على تجاهل حق الاردن في تفنيد هذه الاتهامات وتقديم ما ينفي صحتها.
ان اطلاق حملة تشهير ضد الاردن وكأن تقارير الشركات الاجنبية حكم قضائي صادر بعد مقاضاة طويلة, ينقل القضية من دائرتها الفنية الى اساليب الحملات الاعلامية والسياسية التي لم يُعرف عن الاردن انتهاجه لها.
ورغم تردي العلاقات الاردنية - القطرية خلال السنوات الخمس الاخيرة, التي يغطي الغموض اسبابها, فان مكاتب الجزيرة في عمان كانت دائما محل اهتمام واحترام الدولة والحكومة, ولم يحدث ان صدر اي رد فعل سلبي على البرامج والتقارير التي كانت تسيء حتى لرموز الدولة وتاريخها.
واذا كانت الجزيرة الرياضية قد ادخلت كرة القدم الى سوق السلعة الباهظة التي لا يقدر على متابعتها غير الاغنياء في العالم العربي, فان محاولة ادخال سمعة بلد كامل في سوق التشهير ليست مسألة (اشتراكات) تميز بين من هو قادر وغير قادر, لانها ستتحول الى قضية شعب ووطن تتعرض كرامته وسمعته بناء على تقارير لا يملك اي طرف ان يقرر صحتها او خطأها, فالتقارير المذكورة ليست قرار لجنة دولية ولا هي حكم قضائي .
العرب اليوم