قصتي مع التنوير

الرابط المختصر

رحلة العمر: من سوريا إلى فرنسا

الدين هو ذروة الذرى وغاية الغايات، الدين يعلو ولا يُعلى عليه، الدين هو قدس الأقداس بالنسبة للمجتمعات التقليدية المتدينة على وجه الخصوص، مجتمعات ما قبل الحداثة. ولذا، فإذا ما فسد فهمه فسد كل شيء؛ إذا ما فسد تفسيره فسدت السياسة والاقتصاد والاجتماع والحياة العامة إلخ..هذا ما فهمته من التجربة الأوروبية؛ فبعد أن فسدت طبقة رجال الدين في القرون الوسطى، وأصبحت تتاجر بالإيمان وتبيع صكوك الغفران ظهر لوثر والإصلاح الديني كعلاج. ولاحقا، عندما تحول الدين إلى تعصب طائفي بغيض، واندلعت الحروب المذهبية المخيفة بين الكاثوليكيين والبروتستانتيين، وحصلت المجازر المرعبة ظهر التنوير الديني والفلسفي كعلاج. في كل مرة كانوا ينظفون الدين من الشوائب والرواسب والتراكمات والانغلاقات التعصبية، لكي يستطيعوا تحقيق انطلاقة جديدة. نعم، لقد كان الدين هو الموضوع الأساسي في سلم أولوياتي، منذ وصولي إلى فرنسا عام 1976، بل وحتى قبل وصولي. كنت أريد أن أتحرر من المنظور التقليدي للدين، وهو المنظور الذي تربيت عليه منذ نعومة أظفاري.كنت أريد التخلص من تربيتي اللاهوتية القديمة والقمعية القروسطية.

      إذا ما فسد تفسير الدين فسدت السياسة والاقتصاد والاجتماع والحياة العامة

 

كانت تثقل كاهلي، تضغط علي، تشلني شللا بالخطيئة والذنب، وكنت أعرف أن سوريا ستنفجر، بل وكل بلاد العرب ستنفجر بسبب المشكلة الدينية أو بالأحرى الطائفية والمذهبية. لم يفارقني هذا الهاجس لحظة واحدة منذ أن غادرت سوريا، بل وحتى قبل أن أغادرها قبل سبعة وثلاثين عاما. كنت أقول بيني وبين نفسي: ينبغي إيجاد حل للمشكلة الطائفية، للمشكلة المذهبية، وإلا فلا يمكن أن تترسخ الوحدة الوطنية في سوريا ولا حتى في غير سوريا. وسوف أقولها بكل صراحة وبدون أي لف أو دوران: لو لم تتح لي فرصة الذهاب إلى أوروبا قبل أكثر من ثلاثين سنة لكنت قد عشت ومت دون أن أفهم شيئا يذكر حول هذا الموضوع! كنت قد مررت في هذا العالم مرور الكرام دون أن أتوصل إلى حل المشكلة الدينية: نظريا على الأقل؛ ذلك أن حلها عمليا سوف يستغرق عدة عقود... فالتنوير العربي الإسلامي لم يحصل بعد على عكس التنوير الأوروبي، ولن ينجح قبل خمسين سنة قادمة على الأقل. ليس عندي أية أوهام حول الموضوع. ربما كنت متشائما،ولكن هذه هي نظرتي للأمور.

      التنوير العربي الإسلامي لم يحصل بعد على عكس التنوير الأوروبي، ولن ينجح قبل خمسين سنة قادمة على الأقل

 

 

تجربة أوروبا كانت حاسمة إذن لعدة أسباب؛ أولها أنها تتيح لك أن تبتعد عن نفسك وعن بيئتك الأولى ومحيطك وكوابيسك. باختصار، فإنها تتيح لك أن تتنفس الصعداء، أن تنظر إلى ماضيك وأصلك وفصلك عن مسافة، عن بعد. إنها تتيح لك أن تصفي حساباتك مع ذاتك، وبالتالي تخفف الأحمال والأثقال عن ظهرك؛ فالخروج من المعمعة السورية تحرير ما بعده تحرير[1]. وقد استمرأت طعمه في باريس يوميا وتنفست الصعداء.شكرا للمنافي والاغترابات إذاً، وألف شكر! وثانيها أنها تتيح لك أن تتقن لغة أوروبية حديثة مليئة بالمراجع في شتى أنواع الاختصاصات والعلوم؛ وحتى تاريخ العرب والإسلام ما كان بإمكاني أن افهمه بشكل تاريخي موضوعي، لولا اطلاعي على العديد من المراجع الأساسية في اللغة الفرنسية. ومعظمها إن لم يكن كلها، غير مترجم إلى العربية. وإذا ما ترجم، فنادرا ما تكون الترجمة صحيحة أو موثوقة.. كل الفتوحات المعرفية التي حصلت في أوروبا منذ القرن السادس عشر، وحتى الآن ما كان بإمكاني الاطلاع عليها، لو أني بقيت في سوريا وظللت محصورا بلغتي الأصلية؛ أي العربية. عندما أقول هذا الكلام، لا أشعر بالفخر بقدر ما أشعر بنوع من الأسى والحزن، بل والخوف أيضا. فأنا أحب اللغة العربية حبا جما ولا أريد عنها بديلا.

      نسمة الحرية التي هبت على أوروبا منذ عدة قرون، هي التي صنعت مجدها وحضارتها وتفوقها على جميع شعوب الأرض

 

ولكن يؤلمني ويحز في نفسي أن المعرفة الحديثة ليست متوافرة فيها إلا جزئيا جدا. أحيانا أتساءل: إلى متى ستظل هذه الثورات العلمية والفلسفية واللاهوتية مجهولة في لغتنا العربية؟ إلى أي مدى ستظل مغامرة الفكر الفلسفي العميق مجهولة أو غير معروفة بشكل كاف في لغة الضاد؟ متى ستصبح اللغة العربية لغة علم وفلسفة، مثلها في ذلك مثل اللغة الانكليزية والفرنسية والألمانية وبقية اللغات الحديثة الحية؟ متى ستتوافر فيها كل المراجع الضرورية لنهل المعرفة؟ وثالثها هو أن الابتعاد عن الذات يجعلك تفهم نفسك بشكل أفضل. يحصل ذلك كما لو انك كلما ابتعدت اتضحت لك الصورة أكثر فأكثر، ورأيت نفسك عن مسافة كافية وبشكل موضوعي؛ فلكي تفهم نفسك ينبغي أن تنفصل عنها ولو للحظة. لكي تقترب، ينبغي أن تبتعد، اغترب تتجدد! صدق أبو تمام بحدسه الشعري الخارق وعبقريته الفذة. وينبغي أن تنفصل عن كل التاريخ الذي شكل شخصيتك والتراث المتراكم الذي صاغها، وأصبح عبئا عليها.كما ينبغي أن تنفصل عن البيئة الأصلية التي ولدت فيها، لأن شدة الاقتراب قد تعمي الرؤية، وقد تخنقك أيضا. وأخيرا، فهناك سبب أساسي يشرط كل الأسباب السابقة، ألا وهو: حرية التفكير والتعبير، أكاد أقول حرية التنفس بكل بساطة. لم أتنفس حقيقة إلا بعد أن خرجت من سوريا. ينبغي العلم بأن نسمة الحرية التي هبت على أوروبا منذ عدة قرون هي التي صنعت مجدها وحضارتها وتفوقها على جميع شعوب الأرض. إن تجربتها في نقد انغلاقاتها التراثية المتراكمة، في تعزيل ذاتها من ذاتها؛ أي من شوائبها ورواسبها، هي أثمن ما اطلعت عليه في حياتي.كم من الساعات الرائعة أمضيتها بصحبة مفكري التنوير الأوروبي؟ كم كنت أشعر أني في بيتي وأنا أتحدث معهم،أعيش همومهم،أقرأ كتاباتهم؟ وعندئذ قلت بيني وبين نفسي: لماذا لا أعزل ذاتي من ذاتي أنا أيضا؟ لماذا لا أفعل ما فعله ديكارت، عندما قرر تدمير كل التصورات والأفكار الخاطئة التي ورثها عن طفولته وعائلته ومذهبه ومدرسته؟ لماذا لا أفعل ما فعله سبينوزا عندما فكك كل العقائد التي تربى عليها في طفولته؟ هذه هي التجربة الأساسية التي عشتها في أوروبا.

        تجديد فهم الدين هو الشرط الأول والمسبق للانطلاق الحضاري. لم أقل إلغاء الدين، أو الشطب على الدين

 

 

لو لم أجئ إلى أوروبا لما عرفت أن هناك طريقة أخرى لفهم الدين غير الطريقة القديمة الموروثة منذ مئات السنين. كنت قد بقيت محصورا بالذهنية العتيقة، معتقدا بأنها هي وحدها الممكنة. كنت قد بقيت أعمى البصر والبصيرة! ولا أخجل من قول ذلك ولا أتردد بالتصريح به على رؤوس الأشهاد. نعم، إن أكبر كشف معرفي أتيح لي الاطلاع عليه هو هذا الكشف. إنه لا يقاس طبعا بكشوفات نيوتن وآينشتاين. ولكنه هو الذي أدى إلى ظهور شخصيات ضخمة من نوعية نيوتن وآينشتاين. إنه حرية الروح، تحريرها من قيودها وأصفادها، من سجونها اللاهوتية وإرهابها. نعم، لقد حطت الروح رحالها في أوروبا في العصور الحديثة؛ فمنذ القرن السادس عشر أو حتى منذ القرن الرابع عشر والخامس عشر، أخذت الروح تختلج فيها ونسمة الحرية تهب عليها، وكان أن انتعشت كل الفنون والعلوم، كل الآداب والفلسفات. وكان إن تجدد فهمهم للدين وانقلب رأسا على عقب. اقرأوا لايبنتز وليسنغ وبيير بايل وفولتير وديدرو والموسوعيين وسواهم، تدركون ما أقول[2]...وبتجدد فهمهم للدين، تفتحت عبقريتهم وانطلق المارد الأوروبي من عقاله، من قيوده وأصفاده التي كانت تغل طاقاته وتخنقه وتمنعه من التجدد والإبداع. وكان أن حققوا كل هذه الفتوحات العلمية والتكنولوجية والفلسفية الهائلة التي تبهرنا الآن. وإذن، فتجديد فهم الدين هو الشرط الأول والمسبق للانطلاق الحضاري. لم أقل إلغاء الدين أو الشطب على الدين. حذار! قلت تجديد فهم الدين وتأويله على ضوء الفلسفة والعلوم التاريخية.ما دمنا مقيدين بالتفسير القديم، القسري، الإكراهي، الامتثالي، فسوف تظل طاقاتنا ملجومة ومكبوتة ومجهضة. وعندئذ لا يمكن للروح العربية الإسلامية أن تكسر القوقعة، أن تخرج من الشرنقة،أن تنطلق لفتح الذات والعالم..هذا ما فهمته بعد الاطلاع على فكر ديكارت وبقية فلاسفة التنوير الذين خرجوا من معاطفهم...كلهم كانوا مهووسين بهذه القصة: تقديم تأويل جديد للدين المسيحي غير التأويل القروسطي القديم السائد.

 

     لولا التأويل التنويري للدين ورسالته السامية، لظل الفرنسيون يتخبطون حتى الآن في صراعاتهم المذهبية، ولظلوا يذبحون بعضهم البعض على الهوية

 

وقد فعلوا ذلك لإنقاذ بلادهم من جحيم الحروب الأهلية والطائفية. ومعلوم أن فرنسا كانت مقسومة إلى مذهبين كبيرين: مذهب الأكثرية الكاثوليكية، ومذهب الأقلية البروتستانتية. وقد ذبحوا بعضهم بعضا طيلة مائتي سنة على هذه القصة. لقد دمرت فرنسا، وأنهكت قواها الاقتصادية بسبب هذا الصراع المذهبي الجهنمي؛ فالحرب الأهلية الطائفية فتكت فتكا ذريعا بالبلاد. وعندئذ ظهر فلاسفة التنوير وقالوا: لا يمكن السكوت على ذلك. هل يعقل أن تذبح الناس بعضها البعض باسم الدين! هل يعقل أن يدمر المجتمع باسم قدس الأقداس! وأجابوا: لا، إنه يدمر باسم الفهم الخاطئ والمتعصب للدين. وبالتالي، فهناك فرق بين الدين وتساميه وعلوه وقداسته من جهة، وبين الفهم الخاطئ والمتعصب له من جهة أخرى. ففي العصور الوسطى ساد الجهل والظلاميات ومحاكم التفتيش كما هو معلوم. فكان أن راح المسيحيون يذبحون بعضهم البعض على الهوية.. هذا هو الدرس الذي تعلمته من فلاسفة التنوير الفرنسيين. وبالتالي فلولا التأويل التنويري للدين ورسالته السامية، لظل الفرنسيون يتخبطون حتى الآن في صراعاتهم المذهبية، ولظلوا يذبحون بعضهم البعض على الهوية، ولما حققوا كل هذه الحضارة التي تشع على العالم من عاصمة النور: باريس. لقد تجاوزوا انقساماتهم وحزازاتهم عن طريق نشر المعرفة وتنوير العقول. وهذه هي المهة المطروحة علينا، نحن المثقفين العرب حاليا. ينبغي أن يصبح العلم متاحا للناس جميعا كالماء والهواء كما قال الدكتور طه حسين رائد التنوير العربي ووزير المعارف في وقته عام 1949.وهذا ما تفعله أيضا الشيخة مي بنت محمد آل خليفة في البحرين على رأس وزارة الثقافة. فهي أيضا شعلة نور، وتنوير، كتلة عطاء. كلما انتشرت أنوار الثقافة في بلد ما، تراجعت ظلمات الجهل أكثر فأكثر. وكلما تراجعت ظلمات الجهل أصبح الناس أكثر تسامحا وتفهما لبعضهم البعض." كلما فتحنا مدرسة أغلقنا سجنا"، يقول فيكتور هيغو. وقد صدق. وهكذا فتحوا المدارس لنشر أنوار العلم في كل مكان. وعندئذ راحوا يحلون مشاكلهم عن طريق الحوار الحضاري البناء، لا عن طريق العنف والضرب والمجازر وسفك الدماء. هذا هو الدرس الذي لقنتنا إياه أوروبا الحضارية. لهذا السبب، وجدت نفسي مدفوعا إلى خوض المعركة على جبهتين: جبهة التنوير الأوروبي، وجبهة التنوير العربي الإسلامي؛ الأولى أفهمتني كيف حل فلاسفة أوروبا مشكلتهم مع الأصولية المسيحية؛ والثانية علمتني كيف حل محمد أركون مشكلتنا مع الأصولية الاسلامية. وهذا البحث على جبهتين أو خطين متوازيين، وسع من مداركي الضيقة إلى أقصى حد. وعرفت عندئذ أن علم الأديان المقارنة هو من أعظم العلوم وأشرفها وأكثرها ضرورة للعرب والمسلمين حاليا. ولهذا السبب، كان أركون يحث المسؤولين العرب عندما يلتقيهم بأن يفتحوا كليات لتاريخ الأديان أو للمقارنة بين الأديان في جامعاتهم، وبالأخص أديان التوحيد الثلاثة: اليهودية، فالمسيحية، فالاسلام. وكان يقول لنا ما معناه: لا يمكن فهم الإسلام بدون الاطلاع على تاريخ اليهودية والمسيحية. ولكنه على عكس بعض الاستشراق، فإن هذا الكلام ما كان يعني له أبدا أي تقليص لعبقرية القرآن أو لابتكارية الإسلام. على العكس، كان يعتقد بأن الخطاب القرآني الذي شق كالنور الوهاج سماء الحجاز والجزيرة العربية قبل أن يضيء العالم كله يحتوي على خصوصية ذاتية غير موجودة في الدينين السابقين له. ولولا ذلك، لما شاع وانتشر وقدم المعنى الإلهي المطلق لشعوب بأسرها. وقد آن الأوان لقراءة القرآن قراءة تاريخية حديثة كما حصل للتوراة والإنجيل من قبل. وبدون هذه القراءة، لا يمكن فهم أبعاد القرآن الكريم ومعانيه وعبقريته الخالدة. ولكن المشكلة، هي أن المسلمين التقليديين يخشون تطبيق القراءة النقدية التاريخية على نص القرآن أشد الخشية، ولا يزالون يمنعون الخوض في هذه المسألة منعا باتا.ولكن إلى متى؟ إن تحرير العرب والمسلمين ولحاقهم بركب الحضارة والعصر يتوقف عليها.

 

[1]قد يكون من العيب أن أقول ذلك في الوقت الذي يشهد فيه شعب سوريا أخطر محنة في حياته. ولكن المقصود هو العكس تماما؛ فلأني عاجز عن مواجهة هذه المحنة نفسيا، فاني أهرب منها.لا أستطيع رؤية الدم وأجساد الضحايا، وخاصة أشلاء النساء والأطفال على شاشات التلفزيون. يضاف الى ذلك أني أعاني الفاجعة السورية على صعيدين لا على صعيد واحد فقط: صعيد العائلة الصغيرة والكبيرة؛ أي صعيد عائلتي الشخصية وأسرة الشعب السوري ككل. فأنا متمزق ومفجوع على كلا المستويين ولا مهرب لي. لهذا السبب، فان المنفى يناسبني تماما. ولكن بهذا التفسير أكون قد فاقمت حالتي أكثر مما بررتها.لأقل بأن كابوس الطفولة وكابوس الفاجعة السورية ككل ما تركا لي من مجال الا الهروب! في الواقع أن مبرري الوحيد هو التالي: محاولة إيجاد حل فكري للمسألة السورية، بل والعربية الإسلامية ككل.وهذا الحل اعتقدت بأني وجدته من خلال ترجمة أركون ونقل التنوير الأوروبي إلى الساحة العربية. هذا هو عذري الوحيد أمام الله والتاريخ.لو أني بقيت في سوريا لما استطعت أن أفعل شيئا ولغرقت مع الغارقين..وبالتالي، فاني أخدم سوريا والفكر العربي من الخارج بشكل أفضل بكثير. لهذا السبب أحب المنافي والاغترابات. والواقع أني قلتها أكثر من مرة: ما دمت لم أتخل عن الكتابة باللغة العربية حتى الآن، فإني لا أشعر بأني مغترب أبدا. اللغة العربية هي وطني، حيثما حللت وارتحلت، ويا نعم الوطن! من هذه الناحية لا أعتبر الاقامة في المغرب الجميل منفى على الاطلاق.على العكس أشعر بأني في وطني روحيا ونفسيا وفكريا. أشعر بأني في سوريا ولكن بدون كابوس سوريا! من هنا متعة الإقامة في المغرب. أقول ذلك وبخاصة أنه يجمع بشكل رائع بين الأصالة العربية الاسلامية من جهة،والحداثة الفرنسية الأوروبية من جهة أخرى. لهذا السبب، فإن الكثيرين من المثقفين العرب يحلمون بالهجرة إليه والعيش فيه.

[2]جميعهم كانوا مشغولين بالمشكلة الطائفية إلى حد الهوس. جميعهم كانوا يخشون الحروب المذهبية بين الكاثوليكيين والبروتستانتيين. لماذا؟ لأنها اكتسحت كل أنحاء أوروبا طيلة قرون وأهلكت الزرع والضرع كما يقال.ولهذا السبب انبثق التنوير الفلسفي كمحاولة لتفكيك هذه العصبيات المذهبية المشتعلة بغية تجاوزها واتقاء شرها.أعتقد شخصيا أننا نحن المثقفين العرب نعيش نفس المنعطف التاريخي الصعب الذي عاشه فلاسفة أوروبا في تلك الفترة.لهذا السبب فعندما أقرأ لايبنتز أو ليسنغ أو بيير بايل أو جون لوك، أو سبينوزا أو فولتير فكأني أقرأ مفكرين معاصرين لي لا مفكرين عاشوا وماتوا قبل مائتين أو ثلاثمائة سنة على الأقل.. انهم أكثر معاصرة لي وأكثر أهمية من سارتر وفوكو ودريدا وديلوز الخ...