قسوة المجتمع: هل تتدخل الدولة بتشريعات صارمة؟

قسوة المجتمع: هل تتدخل الدولة بتشريعات صارمة؟
الرابط المختصر

إذا حاولنا ولو لوهلة أن نبعد عن أذهاننا وتفكيرنا الكثير من الصخب السياسي والاقتصادي الذي يصم الآذان ويعمي العيون وخاصة المرافق لقضايا الإصلاح السياسي والمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية المتعثرة والازمة السورية وكذلك مشاكلنا الاقتصادية الكثيرة فإننا سنواجه أنفسنا بحقيقة مفزعة عن الانتشار الكبير للعنف والقسوة في المجتمع الأردني.

في كل يوم تقريبا وفي مساحات الصفحات الخلفية للصحف اليومية وأحيانا المانشيتات الرئيسية للإعلام الإلكتروني تنتشر أخبار وتفاصيل حول جرائم من العنف الاجتماعي الذي يثير التوتر والقلق. القضية لم تعد تقتصر على عنف الجامعات والخلافات العشائرية والأسرية الجماعية بل أصبح العنف يدخل في الأسر نفسها. دائما نشعر بالصدمة من الجرائم المرتكبة بإسم الشرف والتي يساعد القانون مرتكبيها على الفرار من العقاب بسبب العذر المخفف، ولكننا بدأنا نشعر بصدمات متتالية من جرائم حرق سجائر في جسد زوجة أو قيام أب بقتل اينته الصغيرة نتيجة اتهامها بالسرقة من قبل مديرة المدرسة. الأمر لا يتوقف هنا بل توجد في كل يوم تفاصيل مرعبة لظواهر وحالات باتت تنتشر في مجتمعنا.

لقد تجاوزنا منذ زمن طويل التبريرات الأسطورية التي حاولنا إقناع أنفسنا بها من قبيل “هذه حوادث تتنافى مع تقاليد وعادات المجتمع الأردني المتحاب والمتعاون”. أفيقوا رجاء، لم يعد مجتمعنا مثل ما كان عليه قبل 20 سنة ولا حتى 10 سنوات لا في المدينة ولا حتى في القرية. الخطر باتت يتهدد الصغار والكبار معا، وقد تحدث جريمة قتل فورية على خلاف في أولويات المرور. بات كل واحد منا مستعدا للدخول في صراع مع الآخرين أو لتصفية غضبه واحباطه ومشاكله الذاتية في أفراد اسرته.

بغض النظر عن كل التفسيرات الممكنة لانتشار هذا العنف بات من الواضح أن المنظومة القانونية التي كانت مناسبة للمجتمع الأردني قبل 20 سنة وأكثر ما عادت مناسبة الآن. من المهم الوعظ والتوعية وتقديم المشورة ولكن في نهاية الأمر بدون ردع القانون سوف تستمر الجرائم. بعض البنود في التشريعات الحالية وخاصة “العذر المخفف” أو “إسقاط الحق الشخصي”- إجباريا في معظم الحالات- تؤدي إلى انتشار الجرائم الأسرية لأن مرتكب الجريمة سيأمن العقاب. من حق الدولة أن تتدخل في العلاقات الأسرية وفي خصوصياتها بهدف حماية المجتمع وحماية أفراد الأسر المستضعفين والمضطهدين من تبعات “فقدان أعصاب” أفراد الأسرة الأقوياء واصحاب النفوذ.

الاستمرار في الإنكار والحديث عن وهم المجتمع “المتآخي المتماسك الرحيم” لن يزيد الأمور إلا سوءا. عقوبات الجرائم الأسرية يجب أن تزداد صرامة وبالحد الأدنى من أدوات الهروب من العقاب وأن لا يتم وضع الضحايا تحت الضغط للتنازل عن الحقوق الشخصية لحماية المعتدي من العقاب وبالتالي الاستمرار في ممارسة العنف والجرائم. خصوصية الأسرة أمر يجب احترامه ولكن عندما يصل “تقديس” هذه الخصوصية لمرحلة انتهاك حق الحياة الذي هو أمر أكثر قدسية ينبغي للدولة أن تتدخل وتغير من قوانينها بحيث يدفع الجميع ثمن جرائمهم.

الدستور