قد لا يلمع الذهب

قد لا يلمع الذهب
الرابط المختصر

 “ليس كل ما يلمع ذهباً”، مقولة نرددها كابراً عن كابر دون أن نعبأ بأصلها وفصلها، المهم أنها تأتي لتواسي خيبات أملنا في أناس أو مؤسسات أو حكومات أو دول علّق عليها البعض شيئاً من آماله التي تضلّ أو ضلت طريقها الموحل في النفق المظلم باحثةً عن الضوء المزعوم في نهايته.

هذه المقولة إذا ما تمّ النظر إليها من زاوية مختلفة، تبين أن ثمة ما لا يلمع على الرغم من أنه ذهب حرّ و”عيار 24”، فالشاب الطموح الذي ينتظر على أحر من الجمر ساعة تخرجه ليبدأ رحلة عمله؛ ذهب أخفت لمعانه طوابير البطالة التي لا تنتهي.

الشابة التي ترسم مستقبلها على دفتر ذكرياتها وقد صممت في مخيلتها شكل عيادتها أو مكتبها الهندسي أو صيدليتها.. ذهبٌ أخفى لمعانه عرف جائر وتقليد غابر وحاضر؛ فرض عليها الزواج ومن ثم الجلوس في البيت لتختلس اللحظات التي تكون فيها وحدها لتنظر في دفترها وتسترجع بمرارة أحلامها التي ماتت على صفحاته المهترئة.

من يدعو للتنوعّ والدولة المدنية بدوره هو الآخر ذهبٌ أخفى لمعانه تيار التطرف والغلو الذي اكتسح وما يزال الميادين كافة في دول كذبت الكذبة وصدقتها حينما قالت أنها تنحى بأنظمتها ومنظوماتها منحى الدولة المدنية والأخيرة منها براء.

من ينادي “ولو نادى لأسمع من كان حياً”، بمراجعة المناهج والمنهجيات في قطاع التعليم الأساسي والعالي ليكفل لنا جيلاً جديداً تنويرياً ومتنوراً؛ حيث فوضنا أمرنا لله في جيلنا وأجيال سبقتنا؛ هو الآخر ذهبٌ أخفى لمعانه عرّابو “الخصوصية الثقافية.. والطبيعة الديمغرافية.. والعادات والتقاليد الاجتماعية.. والبامية والملوخية...”، إذ يأبى هذا التيار المحافظ على كل ما ينبغي نبذه إلا أن يذود بالعدة والعتاد عن كل ما من شأنه ليس فقط تجميدنا في أماكننا بل والدفع بنا القهقرى حيث اتّباع الأموات والعيش على أطلال المقبرة.

 من دعا ويدعو إلى مراجعة التراث وتنقيحه وتلقيحه من خلال التطعيم والاجتثاث؛ ذهبٌ أخفت لمعانه عمائم بيض وسود ومجموعات وجماعات آثرت نقولها على عقولها وارتضت بالتلقين حفاظاً على اليقين ولو كان هشاً غير متين.

 من دعا وما يزال يدعو إلى مراجعة منظومة تشريعات سنّت لتحكم مجتمعاً في طور التكوين والتطور سواءً كانت تلك التشريعات جنائية أو مدنية أو تنظّم الأحوال الشخصية؛ ذهبٌ أخفى لمعانه أصحاب مدرسة “الشرح على المتون” و”إللي تعرفه أحسن من إللي ما تعرفوش.. ومشّي حالك.. وهيك بنفعنا وغيره عبث..”.

فرج فودة ومحمود طه وغيرهما؛ ذهبٌ أخفى لمعانه رصاص بنادق وحبال مشانق الكارهين للحياة ولأنفسهم، وكثر يُذبحون يومياً على صفحات الجرائد التي تفتح كثير منها أبوابها على مصراعيها لجوقة نصبت من نفسها حَكَماً وجلاداً لكل من يخالفها أو يختلف معها.

 “ليس كل ما يلمع ذهبا”، مقولة صحيحة لأن كثيراً مما لا يلمع ذهب لكن لمعانه ذهب، ومع ذلك فأصل المعدن باقٍ، فهاتو ما عندكم يا إرهابيي الفكر والتفكير ويا أعداء النور والتنوير، ولتعتلوا أعلى صهوات خيولكم؛ فسيبقى الذهب ذهباً ولو رغمت أنوفكم.

مهند العزة: خبير دولي في التحليل القانوني وحقوق الإنسان، وكاتب في حقل الإصلاح الديني.

أضف تعليقك