فيزياء السياسة والتعيينات
تقول قوانين الفيزياء إن « المادة لا تَفنى ولا تُستحدث من عدم، بل تتحول من صورة إلى أخرى» , وهذا القانون الفيزيائي على ما يبدو انه قابل للتطبيق في تعيينات المناصب الحكومية ومعترف به كمصدر وحيد في نظام النخبة السياسية وتداور المناصب , فنحن لا نستحدث ولا نبحث عن حداثة وتجديد دماء بِقدر ما نعيد تحويل المناصب لنفس الوجوه .
قوانين الفيزياء الطبيعية هي مصدر التعيين , وهي الشكل الأمثل الذي اعتمدته مؤسسات الدولة لعدم فناء الطبقة السياسية , وضمان ديمومتها من اختراق الطامحين سواء من اصحاب الكفاءة والمعرفة او من غيرهم , فثمة اسماء ستبقى حاضرة الى ان تغيب بفعل البيولوجيا , مع ملاحظة طُرفة قالها سياسي رفيع « تفقد فرصتك اذا دخلت النادي بعد وفاتك بسنتين على حد ادنى « فثمة من يتذكر اسمك , وفي اسوأ الأحوال سيأتون بأحد اقاربك لضمان عدم التورط بعدم المعرفة او القيام بواجب العزاء, سواء ابنك او نسيبك أو من الأصول والفروع .
خضوع التعيينات الى قوانين الفيزياء , مهارة رسمية بامتياز وخللها ان المواطن الفصيح لم يلتقطها ولم يتعايش معها بسبب ضعف الترويج لها , واعتماد مبدأ التكيف الاجتماعي مع النظرية دون تمهيد او ترويج , وسوء استقبال المواطن لهذه النظرية مسؤوليته الشخصية وليست مسؤولية الرسميين الذين يستندون الى نظرية نجهلها نحن ومبدعون هم في تطبيقها .
عجزنا عن فهم النظرية هو الذي أوصلنا وأوصل البلاد الى تراجع الثقة في المناصب الرسمية والمواقع التنفيذية وهو الذي دفع بعض الوزارات الى الترهل نتيجة نظرية الهبوط بالمظلات على المواقع العليا والوظائف الرفيعة , فالموظف الذي يجتهد للوصول والترقي لم يتعلم هذه النظرية غير المكتوبة في العقود وفي أنظمة وتعليمات الوزارات وشروط العمل في ديوان الخدمة المدنية , وحتى لا نلوم أحد فقد جرى وفي أكثر من موقع ووزارة ترفيع الموظف الذي خدم عقود في وزارته الى مراتب وظيفية عالية وإحالته على التقاعد في نفس الكتاب لضمان تقاعد مريح .
ثقة المواطن ليست مهمة , ورشاد ونزاهة التعيينات في آخر الترتيب , لأن الرهان على نظرية التكيف الاجتماعي ما زالت فاعلة , فالمواطن الآن ينشد الأمن والأمان وسط إقليم ملتهب وجوار يحترق وليس في وارده قراءة التعيينات بغير عين قانون الفيزياء السياسي الذي انتهجته السياسة الداخلية وسدنتها مكتفيا بالتحسب الى الله والدعاء له ان يحفظ البلد آمنا مستقراً .
وهذه الفسحة استثمرها أعضاء الصالونات واستجابت لها الرغبة الرسمية في إبقاء تدوير النخبة للحفاظ على مكتسابتها , فهي عاجزة ورافضة لمسيرة الإصلاح وتسعى جاهدة الى تعطيلها سواء بالتدريج او بتسارع فيزيائي فرضته الظروف الجيوسياسية على الواقع المحلي .
قانون الفيزياء السياسي لا يحتاج إلى اشتراطات أو ظروف علمية , فهو يحتاج الى اسناد لوجستي من طبقة الكريما ورعاية أو صفقة بين صالونات عمان السياسية , قد رأينا كيف تشترط اعلانات التوظيف في المراتب العليا شهادات جامعية عُليا ومهارة الحديث بلغتين فأكثر وجرى قبول وإنزال اسماء على المواقع العليا , نعرف انها تتحدث العربية بصعوبة فكيف حالها مع اللغات الاعجمية ؟
الاحتكام لقانون الفيزياء السياسي يتطلب توحيد المرجعيات في التعيينات حتى يدرك الراغبون شروط الترقي والترفيع , كذلك يتطلب عدالة في التوزيع بين الصالونات والنخبة التي خرجت حتى تستقر أحوال المواطن ويرضى بنصيبه، ويبحث عن مساند ومراكٍ له في مواقع الساسة وصالوناتهم بدل العناء في التعليم واكتساب المهارات التراكمية , فمعظم الأردنيين باعوا أغلى ما يملكون من أجل تعليم الأبناء وتزويدهم بالمهارات اللازمة ولو أنفقوها في أبواب أخرى لكانت مجدية أكثر وربما وفرنا عليهم الكثير
الدستور