من أصعب المشاكل التي تواجهها الحلول الإدارية في الدولة الأردنية، منذ زمن بعيد، مشكلة فقدان المواطن للثقة بالمنصب الذي يتولاه أي مسؤول في الدولة، لإرجاع الأمر لطبائع الخراب التي تنتج عن تولي الشخص غير المناسب للموقع الرسمي، وبأغلبية عالية في كافة مواقع المسؤولية.
هذه المشكلة عندما تمتد إلى مراكز المسؤولية التشريعية، ويتيه المواطن ما بين الثقة وعدمها بمن يمثله في أهم جزء من عملية الدورة الطبيعية للحياة الإدارية والعملية للمؤسسات، يغدو الأمر أكثر تعقيداً، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عملية قياس النبض اليومي للشارع تجاه الحراك البرلماني تحت القبة ونسبة الرضا عن الأداء، ومهنية المناقشات التي تفضي إلى تصويت على قانون أو تشريع أو تعديل على دستور يلزم المجتمع والمؤسسة بالتطبيق بدون النظر إلى حجم القناعة بالأمر.
هذا الموضوع ينسحب على أي منصب في الدولة قد يتولاه مسؤول على قدر المهمة. وهنا يقع المسؤول في فخ الحكم الرجعي، ولا يتم بالضرورة النظر إلى الإنجاز ونوعية الاختلاف بينه وبين من سبقه. وقد يؤثر هذا على الأداء العام للمسؤول، ليصبح في النهاية دوره كدور سلفه، ويبنى الهيكل العام للأداء، كمحصل ختامي، على المنصب الذي يعتبر الحكم في القرار وليس الإنسان.
إلغاء الإنسان في معادلة المنصب والثقة في الأردن أمر وارد على الدوام، وهو موجود بين أروقة الوزارات، والدوائر، والمؤسسات، وتحت قبة البرلمان، وفي أي مجال من مجالات الحياة العامة في بلدنا، وإن خلا الأمر من الرجوع إلى هذه المعادلة في موقع ما، فإن المواطن يكون محكوماً بمصلحة مع مسؤول معين، وليس لقناعته بأن الأخير على قدر الثقة.
هي منظومة خطيرة للغاية على المجتمع، تحتاج إلى مراجعة دقيقة قبل اختيار من يتولى المهام في الدولة. وإن كان الزمان كفيلاً بمسح مخلفات عهد الفساد، فإن الانسان مساهم طبيعي وحيوي في حركة ساعة الزمن، وهو صاحب الهمة في الاستغلال السليم للوقت كي لا يغدو منقلباً عليه عوضاً عن المسير لجانبه، أو بموازاته لإحداث الإصلاح الذي يخدم الدولة ومواطنيها، ويعيد الثقة إلى الحياة بكافة عناصرها.
المشكلة الواقعة حالياً في الشارع الأردني تتلخص في تجربة محكومة بمعادلة الثقة بين المواطن والمنصب، وليس هناك أي حاجز للقبول بمخرجات الإصلاح بين المسؤول والشعب إلا حاجز الثقة، فإن زال الحاجز المهزوز، وعادت الثقة بين الطرفين قَبِلَ المواطن بالوجبة الإصلاحية التي تقدم له، أما إن استمرت الاهتزازات تلعب بأغصان العلاقة بين المنصب والشعب، فلن يكون هناك أي ثمر بعد زراعة طويلة ومضنية.
المطلوب لإحداث ثقة موضوعية ودائمة بين المنصب والمواطن، قبول ما يفرضه الأخير في المرحلة الحالية، وعدم المراوغة على مطلبه الإصلاحي، خاصة أن فقدان ثقته جاء بعد فرض المنصب لقراراته على الشارع لفترة طويلة بدون مراعاة لأي جانب وطني في المسألة وإلا لما شاع الفساد، وكثر المفسدون.
معادلة "كسب ثقة المواطن" ما كان يجب أن تعامل على أنها جديدة، ويصعب التعاطي معها، كما أنه لم يكن جائزاً في يوم من الأيام أن نغلب المنصب على الشعب، لكن ما دام الأمر قد أصبح في حيز المفروض والقائم، فإن على الدولة أن تأخذ بتطبيق المعادلة "الجديدة" بدون مراوغات، متفهمةً لطبيعة المرحلة التي لن يقبل فيها الشعب بغير ما يريد هو لبلده ومستقبله، كما لن يرضى فيها المسؤول الصادق في حبه لوطنه بأن يذهب جهده الإصلاحي هباءً منثوراً.
الغد