مصطلح موظفي شراء الخدمات من المصطلحات التي ظهرت مؤخرا في القطاع العام الأردني للتحايل على آلية التعيين الرسمية بموجب التشريعات الخاصة بذلك في ظل وجود سياسات تقشفية تجعل من التعيين في القطاع العام في ادنى مستوياتها كمحاولة لإصلاح العجز في الموازنة.
في السابق، كان يتم اللجوء لتعيين الأشخاص في المؤسسات العامة على نظام شراء الخدمات عندما يتم إحالة الشخص على التقاعد، وتكون مؤسسته أو وزارته بحاجة إليه، وبالتالي يتم تعيين هذا الشخص لسد الحاجة والاستفادة من خبراته، وبما أن هذا الموظف قد بلغ سن التقاعد فان يتمتع بأشكال متعددة للحماية الاجتماعية مثل الراتب التقاعدي والتأمين الصحي، وقد انتشر هذا الأسلوب من التعاقد بين الأطباء تحديدا الذين أحيلوا على التقاعد من قبل وزارة الصحة أو الجيش الذين يعملون في الخدمات الطبية الملكية.
وقد تم بناء هذه الممارسة على القرار التفسيري رقم 3 لسنة 2012 للديوان الخاص بتفسير القوانين الذي أوضح أنّ شراء خدمات الأطباء المتقاعدين وما شابههم من المهن وشراء الخدمات العلمية والثقافية المتخصصة بموجب قرار شراء خدمات أو عقود شراء خدمات سواء من أفراد أو مؤسسات ... ولا تتوافر فيه خصائص الوظيفة العامة أو خصائص عقد الاستخدام وفقاً لأحكام قانون العمل النافذ.
إلا انه في السنوات الأخيرة الماضية، توسعت الدوائر الحكومية في هذا النوع من التقاعد، حيث تشير بعض التصريحات إلى ان عدد الموظفين والموظفات الذين يعملون بموجب هذه الآلية إلى ما يقرب 3000 موظف وموظفة، إلا ان بعض المختصين يرون ان العدد الحقيقي يتجاوز هذا الرقم بكثير إلا أنه لا تتوفر إحصائيات رسمية بهذا الخصوص.
والملفت للنظر في هذه الآلية، ان التعيين يتم وفقا لنظام المشتريات الحكومية وليس التشريعات المتعلقة بالوظيفة العامة، أي انه يتم التعامل مع الموضوع باعتباره سلعة أو معدات وأجهزة وخدمات مثل التوزيع والنقل، وليس موظف. وقد يكون هذا الامر مبررا إذا كان التعاقد لمدة قصيرة مثل شهر لتقديم خبرة معينة، لكن الممارسة العملية من قبل بعض الإدارات الحكومية تؤكد على ان التعيين يتم لسنوات دون اية حقوق التي يتلقاها الموظف مثل الاشتراك في الضمان الاجتماعي والحصول على تأمين صحي.
في العام 2021، رصد المرصد العمالي الأردني تجاوزات التعيين من خلال شراء الخدمات؛ إذ تبين أن المئات من موظفي عقود شراء الخدمات في سلطة المياه وشركة "مياهنا" تعرضوا انتهاكاتٍ عديدة؛ فهم يتقاضون أجورا تقل عن الحد الأدنى للأجور البالغ (260) ديناراً، ومحرومين من شمولهم بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، ومن الاجازات السنوية أو المرضية، مع العلم انه قد تم توثيق هذه الانتهاكات في بنود العقد من خلال وجود بنود تؤكد على تنازل الموظف عن هذه الحقوق.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الاشتراك في ضمان الاجتماعي هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها ان يتمتع الموظف بالحماية الاجتماعية، ومن اهم ما تشمل هذه الحماية تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة، تأمين إصابات العمل، وتأمين الأمومة وتأمين التعطل عن العمل، مقابل اقتطاعات شهرية من العامل ورب العمل؛ إذ يتمّ اقتطاع ما نسبته 6.5% من أجر العامل الشهري و11% من صاحب العمل حتى يتمتع العامل بتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة، ويتمّ اقتطاع 1% من راتب العامل و0.5% من صاحب العامل لتأمين التعطل عن العمل. كما تقوم مؤسسة الضمان بصرف للعاملة المتمتعة بإجازة الأمومة، والبالغة 70 يوم، بدل يعادل أجرها وفقا لآخر أجر خاضع للاقتطاع عند بدء إجازة الأمومة مقابل اقتطاع ما نسبته 0.75% من رب العمل. ويلتزم رب العمل بدفع ما نسبته 2% من راتب العامل أو العاملة كتأمين ضد إصابات العمل
وبدورها قامت مؤسسة الضمان الاجتماعي بانتقاد هذه الممارسات التي تخالف وتحرم الموظفين حقوقهم الأساسية، مشيرة إلى ان أي شخص يلتحق بالعمل لدى أي منشأة في القطاع العام أو الخاص يعتبر مؤمّناً عليه ومشمولاً بأحكام قانون الضمان بصفة إلزامية، إذا كان يؤدي عملاً لدى المنشأة ويعمل تحت إدارتها واشرافها ويتقاضى أجراً مقابل عمله، مؤكداً بأن ذلك ينطبق على الغالبية العظمى من عقود شراء الخدمات لموظفين وعاملين في مؤسسات رسمية عديدة، وقد سبق لمؤسسة الضمان الاجتماعي أن صرّحت بأن بعض الوزارات والدوائر والجامعات الرسمية والبلديات تقوم بالتعاقد مع عاملين أردنيين في صورة عقود شراء خدمات، وتتوفر في هذه العقود الشروط التي يتطلبها القانون لشمولهم بالضمان من حيث العمل والأجر والتبعية لصاحب العمل، ولكنها مع الأسف لا تمتثل لأحكام القانون، وتُصرّ على عدم شمولهم.
ومن خلال صلاحيات مؤسسة الضمان الاجتماعي، تم إجراء تفتيش لدى سلطة المياه، واعتمادا على ذلك أصدر مدير ادارة فرع شمال عمان القرار رقم 655 تاريخ 17 آذار 2023 القاضي بشمول العاملين لدى المنشأة على حساب نظام شراء الخدمات بأحكام قانون الضمان الاجتماعي من بداية عملهم لدى سلطة المياه.
طعنت سلطة المياه بالقرار امام المحكمة الإدارية، واسست الطعن على ما يلي:
أولا: هذه الفئة من الأشخاص لا يعتبرون موظفين عموميين وفقا لنظام الخدمة المدنية حيث انهم لا يتم تعيينهم ضمن جدول تشكيلات الوظائف لوزارة المياه و/او سلطة المياه وبالتناوب لا يعتبرون عمال وفقا لأحكام قانون العمل اذ ان عقد شراء الخدمات لا يتضمن الخصائص الواردة في قانون العمل.
ثانيا: اعتبر قرار التفسير الصادر عن الديوان الخاص بتفسير القوانين ان المقصود بشراء الخدمات العلمية والثقافية هو ما يتم بإصدار قرار او عقد او اتفاق شراء محدد من حيث طبيعة المهمة او المادة او الاستشارة وان الاتفاق وأن لا تتوافر فيه خصائص الوظيفة العامة او خصائص عقد الاستخدام وفقا لأحكام قانون العمل.
وتوصلت المحكمة إلى نتيجة أن العمال الذين تم التعاقد معهم بعقود شراء خدمات للقيام بأعمال (حارس وعامل صرف صحي) لا يمكن اعتبارها خدمات استشارية كون عملهم لا ينطبق عليه مفهوم الأنشطة الفكرية وفق التعريف الوارد في نظام اللوازم التي عرّفت هذه الخدمات على انها " الأنشطة ذات الطبيعة الفكرية وغير المادية التي لا تؤدي إلى ناتج مادي يمكن قياسه وتشمل الخدمات التي تقدم المشورة والتصميم والإشراف والتدريب والتدقيق وتطوير برامج (الكمبيوتر) وما يماثلها"، كما ثبت للتفتيش بأن العمال الذين تم شمولهم يخضعون لإدارة وإشراف المنشأة ولديهم كشف دوام يومي يثبت عملهم ويتقاضون أجور شهرية مقطوعة بالإضافة الى توافر التبعية في علاقة هؤلاء العمال بالمستدعية، ممَا يكون معه أن علاقة هؤلاء العمال بالمستدعية تعتبر علاقة عمل بمفهوم العمل الوارد في قانون العمل ولا يمكن اعتبارها عقد مقاولة لعدم انطباق شروط عقد المقاولة على علاقة العمال مع المستدعية، ممَا يتوجب معه تطبيق قانون الضمان الاجتماعي على هؤلاء العمال وشمولهم بأحكامه باعتباره قانونًا خاصًا يتعلق بأي عامل أوجب القانون على شموله، والزم المنشأة التي لديها عامل واحد بإشراكه في أحكام الضمان وإلا اعتبرت منشأة مخالفة لأحكام القانون. وبالنتيجة ألزمت المحكمة سلطة المياه بإشراك 931 موظف في الضمان الاجتماعي بأثر رجعي منذ تاريخ تعيينهم.
قامت سلطة المياه بالطعن بقرار المحكمة الإدارية أمام المحكمة الإدارية العليا، إلا أن الأخيرة قررت رد الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه بموجب قرارها رقم 40 لسنة 2023.
وهنا تجدر الإشارة أن هذا الاجتهاد يتعارض لاجتهادات سابقة للقضاء الإداري، ففي القرار رقم 332 لسنة 2020، التي تتلخص وقائعها ان شخص عمل لدى مستشفى الأمير حمزة منذ عام 2012 بموجب عقد يعمل فيه هذا الشخص لمدة أربعة أيام في الأسبوع مقابل مكافأة مالية تستحق بعد تقديم العمل، وورد ضمن بنود العقد أن المتعاقد غير مشمول بأحكام الضمان الاجتماعي وقانون العمل ونظام الخدمة المدنية.
في هذه القضية قام وزير الصحة، باعتباره رئيس مجلس إدارة مستشفى الأمير حمزة، بالطعن بقرار الضمان الذي يقضي بشمول هذا المتعاقد بالضمان الاجتماعي منذ تاريخ تعيينه، حيث قررت المحكمة إعمال القاعدة القانونية أن العقد شريطة المتعاقدين كون أحكام العقد المبرم مع المتعاقد لا يخالف احكام أي تشريع ولا ينتقص من حقوقه وقد قبل التوقيع والعمل بموجبه بكافة شروطه الواجب تطبيقها والأخذ بأحكامها، وبالتالي يكون قرار مؤسسة الضمان الاجتماعي في شمول المتعاقد بأحكام قانون الضمان الاجتماعي مخالفًا لإرادة المتعاقدين و جديرا بالإلغاء. وقد أيدت المحكمة الإدارية العليا هذا القرار بموجب قرارها رقم 112 لسنة 2021.
والملفت للنظر في هذا القرار أنه لم يأخذ بعين الاعتبار أن العامل هو الطرف الأضعف في المعادلة، وغالبا ما يضطر للموافقة على بنود مجحفة بحقه، لذلك نص قانون العمل صراحة على بطلان اية شروط يتنازل بموجبه أي عامل عن أي حق من الحقوق التي يمنحها أياه هذا القانون و هذا ما نصت عليه صراحة أحكام المادة 9\ج من نظام الشمول بتأمينات المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي التي جاء فيها " لا تحول إرادة صاحب العمل أو العامل أو الاتفاق المعقود بينهما صراحة أو ضمنا دون تطبيق أحكام هذه المادة وشمول المؤمن عليه بأحكام القانون" و قد حددت المادة 4 من قانون الضمان الاجتماعي الفئات الخاضعة و المشمولة بأحكام القانون ونصت المادة ٩ من نظام الشمول بتأمينات المؤسسة على الشروط الواجب توافرها في الشخص المشمول المؤمن عليه.
وقد سبق للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي بإصدار التعاميم اللازمة للدوائر الحكومية بضرورة شمول موظفي شراء الخدمات في حال استحقاق شمولهم سندا للقوانين والأنظمة المشار إليها، ويتم التأكد من صحة الشمول من خلال التفتيش الدوري أو من خلال تقدم المؤمن عليه بشكوى تفيد بعدم شموله كما ورد في القرارات أعلاه، إلا ان الالتزام بهذه القرارات ما زال محدودا.