غياب الاستمرارية يقوض الثقة بالاصلاح
استهلت الحكومة الجديدة أعمالها بالحديث عن تأجيل الانتخابات البلدية, وإعادة فتح قانون البلديات أمام تعديلات جديدة. وكان قد نقل عن عون الخصاونة أثناء مشاورات التشكيل الى امكانية اعادة فتح التعديلات الدستورية, وقيل أن المقصود هي المادة التي تتعلق برئيس الوزراء الذي يُحَلّ مجلس النواب في عهده إضافة الى استقالة حكومته خلال اسبوع, فانه يُحرم من تشكيل حكومة جديدة (وفق نص التعديلات).
وأترك جانبا موضوع إعادة هيكلة القطاع العام الذي لا يبدو ان الحكومة الحالية متحمسة لتنفيذه, باعتبار ان الهيكلة قرار حكومة البخيت. وقد تعودنا في مسيرة الحكومات بان كل واحدة تأتي تَجُبّ ما قبلها. لكن ما أرى من الضرورة التوقف عنده, هو قانون البلديات, والتعديلات الدستورية.
قانون البلديات يُدرج ضمن نهج الاصلاح, وقد أقرته الحكومة والبرلمان قبل أسابيع معدودات. وكذلك التعديلات الدستورية فهي جوهر الإصلاح وعموده, وقد أقِرّت ايضاً قبل اسابيع من قبل الحكومة والبرلمان. ان مسألة اعادة فتح هذه الملفات الاصلاحية من جديد, يطرح سؤالاً كبيراً واحسب انه منطقي جداً: هل هذه الحكومة, او التي كانت قبلها مؤهلتان لاقرار قوانين الاصلاح?.
اذا كانت الحكومة السابقة ومعها البرلمان بمجلسيه قد اقرا قانون البلديات والتعديلات الدستورية »تحت شعارات الاصلاح« وفي اجواء احتفالية بالانجاز الكبير. فكيف لي او لغيري من هذا الشعب الطيب ان يمتلك اليقين بان ما تنوي الحكومة الحالية القيام به هو (الصح) وبان ما فعلته السابقة هو (الخطأ). فماذا لو كانت الحكومتان غير مؤهلتين لانجاز ما هو مطلوب, ليس فقط في نظر المحتجين الذين لم يكلوا ولم يملوا منذ 10 أشهر, ولكن من قبل كل من يضع يده على قلبه وهو يرى كيف تجري الامور. حيث نعود في كل مرة الى نقطة البداية, بكتاب تكليف ملكي جديد وحكومة جديدة, ووعود وعهود قد تنتهي فصولها (بكسر الجرة خلف الحكومة المعنية) وتبدأ الجرافات بازالة آثار الحكومة السابقة تماماً مثل حراث الجمال.
ليس من مصلحة البلد ولا هو مفيد للاصلاح ان يفقد الاردنيون الثقة (بالاستمرارية) في عمل المؤسسات وفي مقدمتها الحكومات. كان ذلك مقبولاً على مضض في السابق, لكن في الظروف الراهنة, غياب الاستمرارية وتناقض المراحل الحكومية يُشير الى عدم ثبات الخطوات على طريق الاصلاح وهذا غير جيد. ويضر كثيراً بصدقية وجدية الارادة السياسية وبالثقة بانها تعرف ما تريد.
لم اكن مؤيداً لفصل البلديات وقد كنت مطالباً بتأجيل الانتخابات, لكن, مع استخلاص العبرة ولقد كنت ايضاً, من المحذرين بان تُقَر التعديلات الدستورية في هذه المرحلة, وان تترك للبرلمان بعد الانتخابات لان استسهال فتح الدستور كل عدة اشهر للجدل والتعديل يحول مواده الى »تأملات دستورية« وليس مواد دستورية. باختصار كل هذا لاننا وضعنا العربة قبل الحصان لان الحصان - المحرك للعملية الديمقراطية كلها (في الحالة الاردنية من الربيع العربي - هو الانتخابات العامة أي عند تجديد الشعب تفويضه لنواب الأمة.
يمكن تخيل حجم المشكلة التي سيثيرها اهالي اكثر من 140 بلدية جديدة اذا تم التراجع عن قرارات الفصل (غير المنطقية في غالبيتها العظمى). ويمكن تخيل مدى اهتزاز الثقة بالتعديلات الدستورية وبالحكومة ومجلس النواب اذا اعيد فتحها من أجل خطوة الى الخلف وليس الى الامام. ولان حال الحكومات واحد في اغلب الاحيان, فمن الافضل لهذه الحكومة ان تتمسك بالاستمرارية وان تمضي قدماً نحو اقرار الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات والمحكمة الدستورية وقانون الانتخاب والاحزاب وباقصى السرعة الممكنة.
العرب اليوم