عودة المرابي: عن الاقراض الصغير في الأردن

عودة المرابي: عن الاقراض الصغير في الأردن

عندما شرع البنغالي محمد يونس بتأسيس ما صار يعرف ببنك الفقراء، كان يدافع عن حق الاقتراض (الاعتماد لغايات تمويل مشروع) بالنسبة للفقير الذي لا يملك الضمانات التي تتطلبها البنوك. كان يونس يطالب بالاعتراف بنوع آخر من الضمانات يمكلها الفقير تتمثل في شبكة علاقاته الاجتماعية وفي كون تمويل المشروع الصغير بالنسبة للفقراء يرتبط بمسألة بقائهم ككل. لقد سجل يونس في كتبه تفاصيل كثيرة وجذابة، ودعا الدول الأخرى الى تصمصم نماذجها الخاصة في هذا القطاع.

وبينما كانت التجربة في نسختها البنغالية الأولى تؤسس لمنحى تنموي جديد عنوانه "التنمية من أسفل"، كانت النسخ الأخرى تنحى باتجاه مختلف كلياً. إن مصلحة المؤسسة أو الشركة العاملة في الاقراض الصغير صارت هي الغاية، وأصبح المقترض هو الزبون الذي من خلاله تتحقق تلك الغاية.

في الأردن الآن حوالي عشرة مؤسسات وشركات تعمل في الاقراض الصغير، بعضها يتبع لجهات رسمية واموالها محمية بموجب القوانين، وهناك العشرات من الشركات الوسيطة التي تقدم خدمة الاقراض الصغير، بعضها مسجل وبعضها يكتفي بمكاتب طيارة وإعلانات عبر الصحف، وفي كل الأحوال لا تقل نسبة الفائدة عن 20% وتتجاوز ذلك في بعض الحالات.

لم تتخل هذه المؤسسات عن فكرة الضمانات "الاجتماعية" التي دافع عنها محمد يونس، ولكنها حولتها الى وسيلة ابتزاز للمقترض بما يتناسب مع مواصفات الابتزاز المحلية. إن التركيز يكون على المقترضات النساء لأنهن أكثر قابلية للابتزاز بحكم الوضع الاجتماعي المحيط. إن المشاهد التي تتكرر في مكاتب مؤسسات الاقراض الصغير مؤلمة للغاية، وهي تشكل نماذج على تحويل الفقير من "مُدبّر" الى "مدين".

كان محمد يونس قبيل تأسيسه لبنك الفقراء عميدا لكلية الاقتصاد في الجامعة، وقد اكتشف أن العلم الذي يدرسه لطلابه يعلمهم النظر الى المجتمع بـ"عين الطائر"، أي من أعلى، بينما يحتاج العمل من أجل الفقراء الى من ينظر اليهم بـ"عين الدودة" أي من أسفل ومن بينهم. وفي عام 2005 كان محمد يونس في الأردن ضيفاً على مؤتمر دولي (من آسيا وأفريقيا) عن الاقراض الصغير عقد في عمان، وأذكر أنني التقيته لدقائق وذكرته بفكرته عن عين الطائر وعين الدودة وقلت له: أنظر أمامك، ألا ترى أن الطائر التقط الدودة وطار بها وصارت هي أيضاً معه تنظر بعين الطائر؟

سوف أعود للموضوع في مرات قادمة في سياق التعرف على المزيد من أوجه "تعفّن التنمية" فكراً وممارسة.

العرب اليوم

أضف تعليقك