عن حرب الفساد والمواطنة
الحديث عن الفساد في الاردن اصبح مثل الحديث عن المياه وازمتها فكلاهما “حديث ينشّف الريق”، نظرا لشمولية الحديث وارتفاع سقفه وتشعب مناحيه، ووصول الفساد الى نسغ المجتمع بعد ان تجاوز لحمه وعظمه، فمن فساد مالي واداري الى فساد قرارات واخيرا فساد نيابي وقبل هذا كله فساد اجتماعي.
اقتصار الحرب على الفساد في شقه المالي مهم وضروري، فهو سيرفع من مخزون الدولة المالي، ويسمح بوصول عوائد الدولة الى الجميع دون ظلم او تركيز على فئة دون الاخرى، لكنه لا يعني رفع المخزون القيمي للمجتمع، وتجاوز ازمات خانقة تعصف بكل بناءات المجتمع.
فالفساد في الاعلام مثلا يعني ان خبائث بعينها ستطفو على السطح فيما تختفي اخرى في حفرة عميقة لن يصل اليها الجمهور ولن تشهد ضوء الشمس كي يغسلها ويطهرها، وستكون الحرب على الفساد بأدوات فاسدة مما يعني انتقائية الحرب وعدم شموليتها، وتطهير بؤرة من فاسد للسماح لفاسد اخر باحتلالها، وسيكون الاعلام ساحة لحروب وتصفيات لجلوس فاسد مكان اخر، لا لتطهير البلد من رجس وآفة.
وفساد التعيين سيعني احباط قطاع واسع من الموظفين وسينعكس على الاداء والخدمة المقدمة للجمهور وعلى جوهر الوظيفة العامة التي تترنح الان تحت وطأة الحياة وكلفتها العالية والصمود على المبدأ وعدم الانجرار الى هاوية الفساد والترهل، فسياق التعيينات في المناصب العليا يحبط كوادر كبيرة من الموظفين الذين باتوا يعدّون الايام للتقاعد والخلاص من سقف لا يمكن النفاذ منه الا بواسطة من العيار الثقيل.
والفساد النيابي افرز مجالس نيابية لا تعبر عن وجدان الناس ولا تعبر عن الاوراق الموضوعة في صناديق الاقتراع والاخطر ان جمهور الناخبين قد مسّه الفساد، فالمال السحت ما كان ليكون بهذا الدور والتمثيل والحضور الكثيف تحت القبة لولا قبول الناس واستسلامهم للاحباط وقبولهم بيع اصواتهم، فقصة التزوير النيابي لا تنجح لو كانت الناس على قناعة بأن من ينتخبونه سيفوز او سيخسر بنزاهة، فمارسوا الرد على الفساد بفساد مضاد.
فساد وإفساد التعليم الجامعي افرز عنفا جامعيا يكاد يصل الى مستوى الظاهرة المستشرية في كل الجامعات، خصوصا في مواسم الانتخابات الطلابية فلا احد يقبل الخسارة لكونها ناجمة عن تدخلات خارجية لا حاصل افراز اصوات طلابية، فتجمّع الطلاب على اسس اثنية كي يحافظوا على قيمة وجود إثنيتهم مقابل تكوينات من العلبة ذاتها، وباتت خصوماتهم جهوية مقيتة كما ادوات تحالفاتهم.
فساد الاحزاب وعدم دخول الضوء الى اروقتها واجتماعاتها افرز بعدا من الجمهور عن برامجها ونشاطاتها -ان وجدت- فهل يعقل ان الامناء العامين لاحزاب المقاومة والمعارضة واحزاب الرعاية الرسمية لا يتغيرون الا بالوفاة او العجز الكلي، وهل يعقل ان تكون الاحزاب مقرات فارغة الا من رجال الامين العام وموظفي شركاته او المنتظرين هباته من المال العام او المال الخاص؟ اليس الفساد بعينه ان تسعى مجموعة الى الاستئثار بالبلدية وحدودها على حساب باقي السكان في المحافظة او التجمع السكاني؟ وأليس الفساد بعينه ان نغلق شارعا لمجرد توقيف تاجر مخدرات من مجموعة بشرية او ان نغلق الطريق الى مصنع او عدم تقديم خدمة عامة لان مطالبنا غير العادلة لم تتحقق في موسم التنزيلات الوطنية بحكم الربيع العربي؟.
اسوأ اشكال الفساد هو الفساد الجمعي وهذا ما نعانيه الان وهو سيفضي الى فساد المواطنة وحينها لن يكفينا مجرد حرب على فاسد لاننا ببساطة لن نجد وقودا للحرب على الفساد بكليته وسط ارتفاع مخزون الحفاظ على المكاسب من كل نوع وجنس.
الحرب على الفساد المالي جزء من حرب كبيرة يجب ان تدور رحاها بدعم من كل القوى والفعاليات التي تريد الحرب على الفساد واهم شروط الحرب هي الارادة والهيبة فلا يجوز ان نكسر هيبة الدولة ونطالبها بالحرب على الفساد الا اذا اردنا ان نحقق شريعة الغاب فقط.
الدستور