عصي في دواليب الإصلاح

عصي في دواليب الإصلاح
الرابط المختصر

انطلقت عجلة الإصلاح في الوطن العربي بقوة واستفادة الثورات العربية شعبياً من تجارب بعضها، كما استفاد الحكام المتشبثون بالسلطة على حساب الشعوب من تجارب بعضهم، ولربما توهموا أنهم فوتوا فرصة المفاجأة على شُعوبهم تجدهم قد توقفت عقولهم هنا وتسمَّرت أجسادهم أو (تنَّحوا) على رأي البعض وسط الحقل حتى لو افنوا شعوبهم وأسالوا من دمائها ما لم يسل في مواجهة عدو منذ حكموها.

لكن المراقب للمشهد والمتابع للرصد العالمي لما يجري وبخاصة من بعض المفكرين الغربيين الذين يتحدثون بصراحة أكبر مما يتحدث به الساسة منهم وهم يستلبثون حصول التحول في البلاد العربية وبلاد إسلامية أخرى وفي زمن متقارب، لكن حكام العرب ومن حولهم من المستفيدين من الوَضْع الحالي والخائفين في الظاهر من الإصلاح والحرية يحاولون جاهدين (عبثاً) عرقلة مسيرة الإصلاح الحقيقي.

ومن هذه العصي، التخويف من التوطين والوطن البديل والهوية ولربما كانت حجتهم ألحن من حجة معارضيهم (والحجة هنا ليس بمعنى الدليل) إنما شكل الحديث الخادع، وفي ظاهر دعواهم الحرص على هوية الأردن وبقائه وقوته والخوف من الإصلاح، وفي ظاهره أيضاً الحرص على فلسطين من الضياع، وفي دعواهم أيضاً عدم إعطاء فرصة للعدو الصهيوني ليوقف الانتقادات العالمية لموقفه من تشريد شعب كامل دون أرض أو استقرار وفي دعواهم أيضاً التخويف من إغراء العدو الصهيوني باجتياح الأردن عندما تصبح فيه واجهات فلسطينية سياسية في مفاصل الحكم وفي أعلى السلطات.

ويْختمون بالقبول أن المنادين بالإصلاح الشامل يقدمون ببلاهة أو بعمالة خدمة مجانية للعدو الصهيوني لحل مشكلاتهم المُستعصية مع العالم العربي والإسلامي، وكيف تمررون هذه الخيانة المستترة للقضية الفلسطينية؟؟ وهل غابت عقولكم؟؟ وإذا انفرد هؤلاء بالقول المتكرر في وسائل الإعلام المتعددة المفتوحة لهم وغابت المنابر التي تفند بها هذه الأقاويل والادعاءات انطلت الأكاذيب على الشرائح الطيبة من الناس، ولا غرابة أن تراهم يَندفعون بالمجادلة والهجوم.

ونقول لهم على رسْلكم فحجتكم واهية ولا تستطيع الصمود أمام الحقائق الدامِغة، أما الحرص على هوية الأردن فهو واجب شرعي ووطني وأخلاقي لا يزاود فيه أحد على أحد، لكن المهم هو المصداقية ولربما يكون من دوافع الإسراع في مطالبنا بالإصلاح هو الخوف على هوية الأردن في ظل التهديدات التي يرددها زعماء صهاينة لا تتوقف، موجهة للأردن ولقائده على حد سواء، بما لم يعد خافياً على من يهتم بشأن الأردن.

إن الحضور الحقيقي للشعب الأردني في قضاياه الأساسية وقيادته لشؤونه العامة والخاصة تقطع الطريق وإلى الأبد على العدو الصهيوني من تحقيق مبتغاه، كما أن تغييب الشعوب أو استمرار تَغْيبها هو الذي يفتح الباب واسعاً على الأخطار الحقيقية ويمهد الطريق للأشرار.

إن ما جرى بغياب الشعوب عن مصيرها في معاهدة وادي عربة عام (1994) هو الذي يخشى من تحققه من ضياع الأردن وتحقيق التوطين السياسي والسكاني والحرمان من حق العودة حيث ورد في المادة 8 الفقرة (أ) والتي تعتبر اللاجئين والنازحين قضية إنسانية فقط فإنهما (الاردن واسرائيل) يسعيان إلى تحقيق مزيد من التخفيف من حدة المشكلات الناجمة على صعيد ثنائي.

إنه يصعب على العدو أن يتغلب على إرادة الشعوب عندما تملك زمام أمورها أو الالتفاف عليها، بينما يتمنى أن يبقى على الحالة القديمة الجديدة التي جعلته ينام ليله الطويل مرتاحاً ليفكر بخطوة جديدة وقفزة نوعية كبيرة ليتمدد على حساب بلدنا الذي نحرص عليه ونفديه بارواحنا وليس لنا سواه.

إن الإصلاح الحقيقي يجعل الشعب الأردني يمارس قناعاته بأن الحفاظ على هوية الأردن الوطنية يستلزم تقديم كامل الدعم وبذل كل الجهد لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه ودعم مقاومته الشريفة حفاظاً على فلسطين والأردن في وقت واحد كما أن الشريحة الأردنية التي يتخوف من هيمنتها على الأردن وتغيير وجهه السياسي وهويته أعقل وأوعى وأحرص على الأردن كحرصهم على العودة إلى فلسطين، ولن يقدموا خدمة مجانية مدانة ومرفوضة لعدو الأمة ولن يسهلوا له الطريق ولن يقعوا تحت إغراء التزاحم على فتات لا قيمة له وبخاصة إن كان ثمناً لأرض فلسطين الغالية المقدسة، وهذه ليست اوهاماً ولا توقعات إنما حقائق تسمعها صريحة واضحة مدوية مِنْهم وحرصهم على هوية الأردن وقوته بوعي وبصيرة لا يقل عن حرص مواطنيهم الآخرين على هذه الأرض، وهم جميعاً بصدد انجاز مشروع وطني قانوني للإجابة عن هذه التساؤلات وقطع دابر الحديث حولها وطي صفحة الأوهام والتخرصات.

هذه احدى العصي لكنها ضعيفة هشة ولن تعيق حركة دواليب الإصلاح القوية وسنتجاوزها هي وغيرها، وهناك عصي أخرى وفزاعات متعددة لا تنتهي، لكنها متهافتة زائلة وستندثر تحت عجلات الاصلاح.

الدستور

أضف تعليقك