"شعبوية" و"نجومية" وأشياء أخرى

"شعبوية" و"نجومية" وأشياء أخرى
الرابط المختصر

 

 

 

فَلْنَتَفق، منذ البداية، على أنَّ مفهوم "النجوميّة" ليس واحداً في نَظَر مَن يستخدمونه في توصيف الكُتّاب والكاتبات. فـ"النجم"، بحسب الذين يتعرفون على الأدب والأدباء عبر الصحافة اليوميّة، هو مَن تتواتر أخباره وصوره وتُكتب عنه المقالات. أو ذاك الذي يشغل تلك الصحافة بقصةٍ ذات صلة بكتابٍ قام بنشره هي أقرب إلى الإثارة، أو خرق المألوف الأخلاقي أو الديني أو القِيَمي، مما أدّى إلى ذيوعه بسببٍ منها، وما تلاها من قضايا كمنع نشر الكتاب، أو مثوله أمام القضاء. الملاحظة العامة المتعلقة بهذه "النجومية" تتمثّل في أنَّ غالبية الذين يتداولون "الإسم" يكتفون بترديد المسألة الخاصّة به، دون قراءة الكتاب موضوع الإثارة، أو يقتصرون عليه دون سِواه من الكتب. أما الذين يتابعون ويتقصون، فتراهم وقد حددوا قراءاتهم به وبأمثاله ممن يشغلون الصحافة بقضايا مثيلة، جاهلين تماماً كتابات مجموعة كبيرة من الأسماء ذات الصلة بجنس الكتابة نفسه (الرواية / الشِّعر/ القصة) يتحلّى بعضُها بأهميّة أكبر، وفق المعايير الأدبيّة - الفنيّة.

 

"النجوميّة" في هذا السياق مؤقتة أو هَشَّة، لأنَّها لا تستند على روافع من داخل النصّ، ذات صلة بالكتابة ككتابة، وإنما على "شُهرةٍ" طارئة لم تكن قيمة الكتابة هي السبب فيها. وبذلك هي، بحسبي، "نجوميّة شعبويّة".

 

غير أنَّ هذا لا يحول دون التشديد على أنَّ عدداً كبيراً من الأسماء، وبسبب تراكم أعمالها المتصفة بالإبداع وفق المعايير الأدبيّة، باتت تتصف بـ"النجوميّة" أيضاً. لكنها نجوميّة ذات بُعدٍ تكريميّ تقديريّ من أصحاب المعايير البعيدة عن ضجيج الإثارة وغبار "الفضيحة"!

*   *   *

 

الأمر الذي أود التنويه إليه: إنّ التعرض لقضايا الجنس، والدين، والسياسة في الكتابات الأدبيّة لا يشكّلُ مأخذاً عليها؛ إذ هي المناخات الطبيعيّة الاجتماعية التي يتحرك خلالها النصّ الأدبي ويحفرُ في طبقاتها. غير أنّ الابتذال في معالجتها (وهذا لا يتأتى إلاّ من قِبَل المواهب الناقصة، والرؤى الفقيرة، واللغة المسطحة) هو الأمر المرذول. وهو المادة التي تتغذّى عليها "شُهرة ونجوميّة" مَن أسميتهم بـ"النجوم الشعبويين"، بدعم واعٍ وغافل معاً، من الرقابات ضيقة الأفق. وهنا تحديداً يُطرح السؤال عن "المسؤوليّة الأدبيّة" للقائمين على الترويج في الصحافة. سؤال المعرفة الحقّة لدى الذين ينبغي عليهم التفريق بين السطحي والعميق: بين الزائف الوقح والحقيقي الواثق: بين الكتاب الذي يحمل وزنه "الثقيل" من داخله، وذاك "المحمول" على خِفّة غباره المُدوِّم.

النجوميّة، في النهاية، وبعيداً عن الصحافة ذات الترويج، هي الكامنة داخل النصوص المحترِمة لشروطها الفنيّة، وصدق مَن يكتبونها. وهي الناتجة، بطبيعة الحال، عن قراءات محترفة وذائقة ثقافية تدرك الفروق الأساسيّة بين كتابةٍ غايتها لَفْت انتباه قُرّاء الرقابات والمحظورات الرخيصة، وأخرى لا تهدف لغير انسجام صاحبها/ صاحبتها مع نفسه/ نفسها.

*   *   *

 

ملاحظة أخيرة: ليس كل ما هو ممنوعٌ من التداول تَقَصَّدَ صاحبُه الإثارة، أو لا يحملُ في داخله قيمةً معرفيّة أو أدبيّة. فكثيرة هي الكتب التي طالها المنع تتصف بالعمق المعرفي والمستوى الأدبي الرفيع، غير أنّ أُفق الرقابات المحدود خنقها وجعلها موضع إثارة. ومن هنا تبرز خطورة المساواة وخلط هذا الممنوع بذاك، رغم البون الشاسع الفاصل لهما.

 

إلياس فركوح: كاتب وروائي. حاصل على جائزتي الدولة التقديرية والتشجيعية في حقلي القصة القصيرة والرواية.

أضف تعليقك