سوريا الممكن والمستحيل
انتقلت نسخة من الملف السوري إلى اليد العمانية. هذا يعني ببساطة أن «مستحيل» بوتين لم يكن مستحيلاً فعلاً. أو هو «مستحيل» جاهز للجلوس مع الممكن، ثم التماهي معه.
بكلمات أخرى، فإن من قدّروا في «ممكن» بوتين مستحيلاً ومعجزة، اعتقدوه كذلك، لأنهم لم يكونوا قادرين على قراءة لحظة روسية هامة، أواسط حزيران الماضي، تمثلت بصياغة وصفة تجعل من المحتم توقيع الاتفاق النووي، ثم البدء في فكفكة الألغام الدولية في أوكرانيا، ووضع حد للانفلات الإقليمي في اليمن. وبالتالي، نقل الملف السوري إلى اليد العمانية، إيذاناً بحلحلته.
وصول الملف إلى اليد العمانية يعني ببساطة الوساطة بين سوريا والسعودية، ابتداء. ولأن موسكو تصر على حليفها السوري بأن الحل يستوجب جهداً، وربما ثمناً، سورياً في تصفية العلاقات مع الرياض، يكون كافياً لترميم العلاقة مع السعودية وما وراءها.
تعني الوساطة العمانية، أيضاً، أن حقائق الملف نفسه ستدخل في مرحلة صمت، لأن مسقط لا تنقل رسائل تفاوضية، وتبحث لدى الفرقاء عن أطراف خيوط الممكن؛ كما لن تقرر مسبقاً نجاح وساطتها، ولن تسعى إلى إنجاحه، وتترك ذلك للأطراف نفسها، كل حسب حاجته إلى هذه الوساطة.
وتعني الوساطة العمانية، كذلك، أن الحل سيكون بمقابلة رؤية دمشق بسقفها الروسي، لا السوري، مع شروط الرياض بسقفها الأميركي، لا السعودي. بينما سيعمل الوسيط العماني مع الأطراف، كل فريق على حدة، لايصاله إلى نقطة تجد فيها مسقط أفكاراً يمكن البناء عليها، والالتقاء حولها. ثم يكون بعد ذلك، الانتقال إلى مرحلة العمل بين الأطراف. بمعنى أن التنازلات و«الأفكار القادرة على تحقيق اختراق» هما سيدا الموقف، وما يحدد سرعة انجاز العملية أو تأخرها، وحتى نجاحها وفشلها.
من المتوقع أن «تدفع» بعض الأطراف «تنازلات» مقابل شرط تنحي الرئيس السوري، وما يلحق به من حيثيات. ويمكن أن يأخذ الأمر في هذه النقطة شكل الدفع نحو القبول بانتخابات رئاسية باشراف دولي، بينما يثار الجدل والضغط والرفض المقابل حول حق الرئيس السوري في الترشح.
وليس من المستبعد، أن تحضر في السياق محاولات تفعيل بعض أفكار «الحل» العراقي بالضغط لضمان حصص طائفية، وأن يتم القبول ببعضها بصيغة ضمنية وملتوية، بقسر ذلك على المؤسسات المنتخبة، وهو ما يقود إلى محاولة وضع القوانين الناظمة نفسها تحت التفاوض، أو المطالبة بذلك.
في هذا المجال، تواجه دمشق حقيقة أنها وضعت طوال عقود حدوداً صارمة تنظم مشاركة شكلية، حيث الأحزاب المعترف بها تابعة للنظام، فيما حزب البعث مترهل من جهة، ومتهم من جهة ثانية، وتماهيه مع السلطة من جهة ثالثة يجعل منه جهازاً من أجهزة النظام، لا واحدة من مؤسسات المجتمع.
تبدو كل التيارات الأخرى، المناوئة للنظام، أحزاباً أو مشاريع أحزاب «مستقلة»، عن النظام طبعاً في ه الوقت، نفسه، ولن تعود تبعيتها لأجهزة ودول أخرى موضوعاً ذي شأن، لا شعبياً في الداخل، ولا دولياً في الخارج، فهي ستتحول إلى «طيف سوري»، وشريك في إنجاز «الحل»، وتحقيق «الاستقرار»..
أخطر ما في المعادلة، أن ما من قوى دولية تراهن اليوم على «سوريا حليفة»، بل على «أطراف حليفة في سوريا»، وكل قوة تعرف حصتها، والطرف الذي يناسبها، وتسعى لتحقيق مصالحه. ويبدو أن موسكو نفسها باتت تفكر أن سوريا فاعلة بمقدار حضور طرف حليف في نظامها، أفضل من سوريا حليفة، لكن عاجزة ومنشغلة كلياً بنفسها.
هنا، بالذات، يلتقي «المستحيل» بـ«الممكن»!
- ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.