سحب الجنسية وتنفير الاستثمار
تلقيت خلال الفترة الماضية عددا من الاتصالات من أردنيين يعملون في دول عربية مجاورة يشتكون ويحتجون على سياسة الحكومة في سحب الجنسيات تطبيقا لما يزعم أنها قرارات فك الارتباط.
مخاوف قرارات "تصويب الأوضاع" كما تسميها الحكومة، تتجاوز القلق على الهوية، لتمتد الى الاستثمار، الأمر الذي يدفع بالكثير من الأسئلة الى البال حول تأثير مثل هذا النهج على الاقتصاد والبيئة الاستثمارية.
فالمغتربون في الخارج وتحديدا الأردنيين من أصل فلسطيني باتوا يخشون على مستقبلهم وأموالهم في الأردن، بعد أن تكاثرت الشكاوى من هذه الحالة وانعكاساتها السلبية عليهم.
تأثير هذا النهج على الوضع الداخلي كبير ويتمثل في توليد الشعور بعدم الطمأنينة والخوف والقلق وعدم الاستقرار لدى شريحة واسعة من المجتمع، وتأثير تلك القرارات على بنية المجتمع وآثارها الخطيرة على حالة الاستقرار التي تتمتع بها المملكة.
وتبرز هذه القرارات كعامل طارد للأردنيين في الخارج، وتحديدا أصحاب رؤوس الأموال الذين بدأوا بإعادة حساباتهم ألف مرة قبل أن يقرروا القدوم للاستقرار في بلدهم، وإنشاء استثمارات تسهم في تحقيق التنمية المستدامة، فالعشوائية في سحب الجنسيات، ولا قانونيتها، بحسب حقوقيين، وإغفال الأثر الإنساني لها ساهم في جعل هؤلاء يعيدون حساباتهم حول جدوى الاستثمار في الأردن والعودة اليه.
والقلق الذي يعبرون عنه يرتبط بإيمانهم بأن القرار يهدد استقرارهم ويخيفهم من المستقبل، كون آليات التطبيق لا تبدو واضحة وتخضع للمزاجية، وتجعل ما تخبئه الأيام مبهما لدى شريحة واسعة من أصحاب رؤوس الأموال والأفراد.فالمعاناة النفسية وحالة عدم الغموض التي تكتنف مستقبلهم دفعت العديد منهم إلى البحث عن مستقر آمن، إذ اتجه البعض إلى كندا وأستراليا.
لقرارات سحب الجنسية تأثير مضاعف على البيئة الاستثمارية، بحيث تزيد مثل هذه التوجهات من تعقيد الجو المحلي وتجعله طاردا للاستثمار، والسبب حالة عدم الوضوح التي تمارس في ظلها مثل هذه القرارات والتي تعطي انطباعا حول الكيفية والعقلية التي تدار بها الأمور محليا.
لربما أن الحكومة لم تفكر في التبعات الاقتصادية لمثل هذه القرارات التي تصفها بـ"التصويب"، كونها تسمم الجو الاستثماري في المملكة وتجعلها طاردة لرؤوس الأموال والاستثمار نتيجة تأثيرها على تقييم الأردن كبلد حر، إذ تندرج هذه السياسة ضمن قائمة الممارسات المخالفة لحقوق الإنسان.
ولا ينقص البيئة الاستثمارية مزيد من عوامل التنفير، ففيها ما يكفيها من بيروقراطية وروتين وتعدد مرجعيات وتشريعات وغياب للتخطيط والتسويق والترويج، وبطء العمل وعدم الجدية، والمماطلة في تأسيس محكمة خاصة تعنى بشؤون الاستثمار!
فإضافة عامل جديد ستعقد العملية أكثر ويأتي على الاستثمار، ويخفض تقييمات المملكة في التقارير الدولية التي تلعب دورا كبيرا في الحصول على المنح والمساعدات.
وبعيدا عن الأثر الاقتصادي لهذه القضية، لا يمكن إنكار تبعاتها الاجتماعية الكبيرة التي تسهم بوضع شريحة واسعة من المجتمع في ظروف غير مستقرة وغير آمنة على الأقل نفسيا، الأمر الذي يضعف تماسك مكونات وحدة المجتمع، ويفتت الشعور بالانتماء واليقين على حد سواء!