قد لا يكون من باب المبالغة القول إننا نعاني في الأردن من زحمة في الخطط والاستراتيجيات في المجالات التنموية كافة؛ فلا تكاد تخلو أي وزارة من خطة أو استراتيجية، تكون في أغلبها طموحة. وحتى نكون موضوعيين، فإن بعض هذه الخطط يجد طريقه إلى التنفيذ، لكن أغلبها لا يبرح أدراج الإدارة العليا في تلك المؤسسات.
وخلال أشهر فقط، قدّمت الحكومة أمام البرلمان خطتها التنموية للسنوات الأربع القادمة. وبعد مضي فترة بسيطة على إقرار تلك الخطة، اكتشفت الحكومة أن خطتها لا تشمل تنمية المحافظات التي تعاني مشكلات تنموية مزمنة؛ من فقر وبطالة. وبسرعة فائقة، قامت الحكومة بتطوير خطة تنموية للمحافظات، وقامت بزيارات لبعض المحافظات لعرض تلك الخطة. ليس ذلك فقط؛ بل تمّ اكتشاف أن خطط الحكومة لم تأخذ بالحسبان تطوير مشاريع تمكّنها من الإفادة من المنحة الخليجية الراقدة فلوسها في البنك المركزي منذ بداية العام.
يُمكن تلخيص المشهد التنموي، والذي لا يقتصر على هذه الحكومة، بالتالي:
أولاً: إن الحكومة تفتقر إلى رؤية اقتصادية تنموية مستقبلية، والخطط والاستراتيجيات التي تقوم بتطويرها أقرب ما تكون إلى خطط عمل ميدانية، تخلو من البُعد والعمق الاستراتيجيين.
ثانياً: إن الخطط التنموية تُعد من قبل موظفين (بلا شك أكفاء) في المؤسسات والوزارات المختلفة، والتي تكون، في أغلب الأحيان، إعادة تدوير لأفكار وخطط سابقة. ومن ثم، لا نلحظ تغييراً جوهرياً بين خطة وأخرى، من حكومة لأخرى. والأصل أن تعد هذه الخطط بطرق تشاركية حقيقية، وليس شكلية.
ثالثاً: إن أغلب الخطط تكون قطاعية؛ تعكس احتياجات قطاع معين أو وزارة معينة، كالصحة أو التربية، يتم تحديد احتياجاتها من مرافق صحية أو تربوية، أو مشروع تطوير لإدارة وزارة معينة. وبالرغم من أهمية ذلك، إلا أن هذا الأسلوب لا يرقى إلى تسمية "خطة تنموية". والأهم من ذلك أنه لا يؤدي إلى إيجاد خطط متكاملة تتعامل مع القضايا والحلقات المتداخلة أو المتشابكة مع بعضها بعضا.
إن أغلب مشكلات وتحديات التنمية اليوم متعددة الأبعاد؛ فخطة تنمية اقتصادية لا تأخذ بالاعتبار التعليم أو الصحة أو العلوم، لا ترقى لأن تكون خطة. وكذلك الحال بالنسبة لخطة تطوير التعليم؛ إذ لا يمكن أن تنجح إلا إذا أخذت بالاعتبار كل الابعاد ذات العلاقة بالموضوع.
رابعاً: حتى عندما يتم إعداد الخطط التنموية، فإنها تقبع، في الغالب، في أدراج مُعديها، ولا تتم متابعة تنفيذها وتقييمها إلاّ من قبل المؤسسات التي تقوم بإعدادها. وعليه، فهي لا تأخذ الدورة الكاملة التي يجب أن تأخذها.
خامساً: حتى عندما نجد أن وزيرا أو وزارة يعمل/ تعمل بشكل منفرد وبانسجام مع التوجه العام أحياناً، فإن ذلك يتم، في أغلب الأحيان، بشكل غير متناغم مع بقية الوزارات. وهذا الذي يؤدي إلى تفاوت في تطبيق الخطط، وعدم الانسجام أحياناً، والإخفاق في معالجة المشكلات في أغلب الأحيان.
سادساً: تخلو الحكومة (مؤسسة الرئاسة) من مركز أو مراكز دعم القرار، والعمل على تكاملية الخطط، ومتابعتها، وتنفيذها. ويشكل هذا النوع من المراكز الخبرات الفنية الضرورية لترجمة رؤية الرئيس، ويساعده في بلورة تطبيق الخطط ومتابعتها.
قد يكون للظروف الاقتصادية الصعبة، كما التحديات السياسية، دور في هذه الحالة، ولكنها لا تستطيع أن تفسر هذه الظاهرة بأكملها. لذلك، فإن تباين خلفيات الوزراء وعدم انسجامهم الفكري والسياسي، يساعدان في تفسير ذلك أيضاً. ولكن، وبصرف النظر عن الأسباب، فإن واقع الحال يدل على أن الحكومات المتعاقبة أصبحت أقرب ما تكون إلى حكومات تسيير أعمال؛ تنشغل بالتعامل مع التحديات التي تواجهها في غياب البوصلة والهدف.
الغد