خمسة استنتاجات من جلسة «تجديد الثقة»!
بالنسبة لمن يتابع مجلس النواب منذ فترة طويلة ويدرك طبيعة العلاقات مع الحكومة والعلاقة المشتركة مع الدولة لم تكن هنالك أية مفاجآت في جلسة الثلاثاء التي كان يتوقع أن تشكل تحديا للحكومة في حجب الثقة عنها. كل الصخب والضجيج السياسي الذي سبق الجلسة تبخر خلال دقائق في التصويت وشهدنا تغيرا كبيرا للمواقف المعلنة أمام الإعلام. هذه الجلسة على كل حال مهمة من ناحية توثيقية ويمكن الخروج ببعض الاستنتاجات:
1- قدرة رئيس الوزراء على البقاء: ربما يدخل رئيس الوزراء عبد الله النسور تاريخ الحياة السياسية الأردنية بكونه واحدا من أكثر رؤساء الحكومات قدرة على البقاء. لبضع مرات في السنتين الماضيتين كنا نشعر بأنه على وشك الخروج وانتهاء حياته السياسية ولكنه في كل مرة يتمكن من النجاة وبثقة ودون تقديم تنازلات. يمكن قول الكثير عن رئيس الوزراء سواء سلبا أو إيجابا ولكن ميزة قدرته على الصمود والبقاء تتجلي يوميا.
2- لا يوجد معنى للكتل في مجلس النواب: كما كان متوقعا تفككت المواقف الخاصة بالكتل النيابية الهلامية وتم “تعويم” القرار الحاسم لكل نائب على حدة وحسب مصالحه ومواقفه ودراسات الجدوى السياسية والاقتصادية التي يقوم بها. الكتل في هذا المجلس لا قيمة لها ويمكن تفكيكها بمنتهى السهولة.
3- المعاهدة مع إسرائيل غير قابلة للمساس: منذ 1994 تطرح المعارضة في كل مرة يحدث فيها صدام سياسي مع إسرائيل طلب إلغاء المعاهدة وطرد السفير، ومنذ ذلك الوقت لم تواجه المعاهدة خطرا أكبر من قرار الملك الحسين بطرد السفير واقتحام السفارة الإسرائيلية وإلقاء القبض على عملاء الموساد الذين حاولوا اغتيال خالد مشعل. هذا الخطر دفع إسرائيل لتقديم المصل المضاد للسم والإفراج عن الشيخ أحمد ياسين. من الأفضل للمعارضة أن تختار أهدافا أكثر واقعية لتحقيقها وكان يمكن التركيز على الإفراج عن أحمد الدقامسة بعد انتهاء عقوبته أو الطلب بالإفراج عن الأسرى الأردنيين في إسرائيل لأن المعاهدة نفسها تمثل عنصرا استراتيجيا في أمن الدولة الأردنية.
4- هنيئا للرئيس هؤلاء الخصوم: عندما تمعن النظر في اسماء النواب الذين حجبوا الثقة عن الحكومة ومقدار التباين والتناقض في كافة مواقفهم السياسية والاقتصادية في قضايا أخرى تجد أن الرئيس يتمتع بميزة عدم وجود جبهة متماسكة أو ذات مصداقية مستدامة يمكن أن تمثل تحديا سياسيا له. تجمع اصحاب المصالح من الغاضبين لأسباب شخصية لن يشكل خطرا سياسيا مباشرا على الحكومة وسينتهي بسرعة تماما كما نشأ.
5- الخطاب المزدوج: لا نريد أن نتحدث عن تغير المواقف بين يوم وليلة ولكن من الواضح أن على الشعب الأردني أن يدرك بأن هنالك خطابين من قبل معظم النواب واحدا يقدم للشعب ويتمثل في رفع يافطات وشعارات تطالب بإلغاء المعاهدة وطرد السفير والآخر يقدم للحكومة عن طريق التصويت بالثقة أو الامتناع أو الغياب منعا للإحراج. المواقف المعلنة والتي تتميز بالصخب والحماس لا تعكس -أبدا- حقيقة الخيار السياسي للنائب والذي يستند إلى عناصر أخرى مختلفة تماما، وتشكل حسابات ذات علاقة بالمصالح السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
درس جديد وتوثيق هام لديناميكية الحياة النيابية في الأردن في سياق قانون الصوت الواحد
الدستور