حقيقة الإشعاع في مياه الديسي

حقيقة الإشعاع في مياه الديسي
الرابط المختصر

تعوّدنا في الأردن منذ فترة طويلة أن تعاني المشاريع الكبرى من علامات استفهام كبيرة، تلقي بظلالها على مدى تقدمها أو نجاحها وذلك لأسباب عديدة منها عدم منطقية الفكرة أولا، وكذلك سوء الإدارة والتنفيذ الذي يصل إلى مرحلة الفساد أو مجرد التشكيك في صحة المعلومات الرسمية وهي ظاهرة ترتبط مباشرة بتراجع منسوب الثقة بين الرأي العام والحكومات.
ولكن في حالات معينة تكون هنالك مشاريع ناجحة ينبغي الإشارة إليها وإنصافها، وهي بدورها تعاني من مصادر أخرى للتشكيك مثل مشروع نقل مياه الديسي والذي كان طموحا كبيرا منذ عدة سنوات وتحول إلى واقع قبل ايام. مشكلة المشروع كانت دراسة نشرت في العام 2009 من قبل مجموعة باحثين أردنيين وأميركيين وإسرائيليين تشير إلى أن تراكيز الراديوم المشع في مياه الديسي أعلى من المعدل المسموح به بحوالي 30 ضعفا وأنها غير مناسبة للاستهلاك. الدراسة تسربت إلى نفسية الجميع ووصلت إلى مرحلة الشك والرفض للمشروع وخاصة في سياق تردد الحكومات المتعاقبة في مناقشة الدراسة علميا بالطريقة السليمة.
منطقة جمع العينات في الدراسة المذكورة ليست نفس المنطقة التي يتم ضخ المياه منها إلى العقبة منذ 30 سنة وإلى عمان ومناطق الوسط في السنوات القادمة. منطقة الدراسة كانت تحتوى على تراكيز أعلى بكثير من الآبار المستخدمة لضخ مياه الديسي وهي آبار متروكة منذ سنوات وغير مستخدمة لا للشرب ولا الزراعة. من الصعب علميا أخذ نتائج هذه الآبار وتعميمها على كافة الآبار المستخدمة للشرب والزراعة في حوض الديسي.
تحدثت مع مصادر مطلعة وأثق شخصيا بها في سلطة المياه وهي أشارت إلى أن خطة إدارة مياه الديسي تقتضي القيام بخلط مياه الديسي مع مياه عذبة من زي بنسبة 1:1 من أجل تخفيف كميات الراديوم إلى مستويات لا تؤثر على الصحة وتكون ضمن المعايير الوطنية. حسب المصدر فإن تراكيز الإشعاع الكلي في خليط المياه الذي يتم تجميعه من 50 بئراً مختلفة في حوض الديسي هو 0.83 ميليسيفر سنويا. في منطقة دابوق وفي منطقة أبو علندا يتم خلط 100 مليون متر مكعب من هذه المياه مع 120 مليون متر مكعب من مياه عذبة صادرة عن محطة زي بحيث يكون تركيز المواد الإشعاعية الكلية في المياه المخلوطة التي تضخ إلى الشبكة هو 0.45 ميليسيفر سنويا حسب معادلة استهلاك ليترين من المياه يوميا لمدة 70 سنة من الحياة. هذه التراكيز هي ضمن المواصفات الأردنية وأقل من المواصفة الأسترالية التي تصل إلى 1.0 ميليسيفر سنويا والتي تعتمد بشكل كبير على المياه الجوفية للشرب.
من المعروف أن معدل تعرض المواطن الأردني للإشعاع، حسب مسوحات هيئة تنظيم العمل الإشعاعي هو 1.8 ميليسيفر سنويا، وهو اقل من المعدل العالمي الذي يصل إلى 2.4 ميليسيفر سنويا ومع إضافة حوالي 0.5 ميليسيفر من التعرض عن طريق شرب المياه يبقى المعدل هو 2.3 وهو غير مضر بالصحة.
من الجدير بالذكر أيضا بأن مياه الديسي تستخدم للشرب في العقبة منذ 30 سنة، وحسب إحصائيات السجل الوطني للسرطان للعام 2010 فإن محافظة العقبة هي ثاني اقل محافظة في الأردن من حيث نسبة حدوث السرطان حيث تصل إلى 40 حالة لكل 100 ألف مواطن. هذا مؤشر مهم على أن مياه الديسي المستخدمة في العقبة منذ ثلاثة عقود، وحتى مع نسب اقل من الخلط لم تتسبب في حدوث زيادة في نسب حدوث السرطان عن بقية المحافظات الأردنية التي لم يتعرض سكانها لشرب مياه الديسي.
في حال تطبيق عملية الخلط بالشكل الصحيح من المفترض أن لا يكون هنالك سبب للهلع. ولكن طمأنة الرأي العام تحتاج إلى أن تقوم وزارة المياه والري بالتعامل بشفافية أكبر مع هذا الموضوع وأن يتم طرح برنامج توعية وتوضيح لكافة المعلومات المتعلقة بتركيز المواد المشعة وذلك بالأرقام السليمة والتفسير العلمي المقنع حتى لو تطلب الأمر إحالة دراسة مستقلة إلى طرف ثالث موثوق محليا ودوليا لحسم الشك باليقين.

أضف تعليقك