جندي مفقود في مقابل 500 طفل شهيد: عالم بلا ضمير
في كتاب المذكرات المثير الذي أصدرته قبل سنتين وصفت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس تفاصيل رد فعل وتعامل الإدارة الأميركية مع العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006. في هذا الوصف الكثير من المعلومات التي يمكن أن نستخدمها لمعرفة الطريقة التي يتم فيها اتخاذ القرارات في البيت الأبيض لدعم إسرائيل إلى مرحلة معينة يشعر فيها الأميركيون بأن مصالحهم باتت مهددة.
تشير رايس في كتابها بأن الإدارة الأميركية التي سيطر عليها المحافظون الجدد ومنهم رايس طبعا منحت إسرائيل دعما كاملا لضرب حزب الله وإضعاف قدراته القتالية وكان يقود ذلك الدعم نائب الرئيس ديك تشيني والرئيس بوش نفسه. بعد مرور عدة ايام على الحرب وفشل إسرائيل في تحقيق اي من أهدافها العسكرية وانتشار صور الضحايا المدنيين في لبنان على شاشات التلفزيون العالمية وانتشار المظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي شعرت رايس بالخطر على المصالح الأميركية حسب وجهة نظرها وعملت على إصدار قرار لوقف إطلاق النار من مجلس الأمن. تقول رايس في الكتاب بأن ديك تشيني وفي اتصالات مباشرة مع ايهود أولمرت كان يعطل عمل رايس ويطالب بتأخير القرار حتى “تحقق إسرائيل ما تريده”. حسب وصف رايس تطلب الأمر نقاشا عنيفا في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض وصراخها في وجه الرئيس بوش بأن استمرار الحرب سيؤذي كل مصالح أميركا في المنطقة خاصة مع حلفائها من الأنظمة العربية المعتدلة.
ربما بالغت رايس في منح الأفضلية لنفسها في وقف إطلاق النار ولكن طريقة التفكير هذه لا زالت موجودة وربما بطريقة أسوأ في الإدارة الحالية التي كنا نتوقع منها استجابة أكثر سرعة بالنسبة لرئيس حاصل على جائزة نوبل في السلام ويدعي بأنه نصير المستضعفين وداعم لحقوق الإنسان. ردود الفعل الأميركية حاليا تبدو أكثر دعما لإسرائيل في عدوانها على غزة مما كان عليه في عهد جورج بوش واثناء العدوان على لبنان. ربما تكون بعض التفاصيل مختلفة منها أن من يحكم غزة هي حماس والتي تعتبر هدفا للإدارة الأميركية بعكس الحكومة اللبنانية في العام 2006 كما أن النظام العربي الرسمي في العام 2006 وبالرغم من ضعفه الشديد كان أكثر قدرة على التأثير مما هو عليه الآن.
لا يوجد مثال اصدق على الانحياز الأميركي السافر للعدوان الإسرائيلي أكثر من أن يهرع الرئيس أوباما ووزير الخارجية كيري بعد ايام من الصمت البليغ على المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق العائلات والأطفال في غزة إلى التصريح الغاضب بشأن إدعاء إسرائيل القبض على أحد جنودها. أوباما طالب بقوة وانفعال باطلاق سراح الجندي فورا ولكنه لم يقدم أي رأي أو رد فعل على استشهاد أكثر من 500 طفل في العدوان الإسرائيلي حتى الآن بالرغم من كل الصور والتفاصيل المؤلمة الموجودة حول هذه الجرائم.
هذا عالم بلا ضمير ولا إنسانية، وعندما يأتي أحد المسؤولين الأميركيين ليتساءل لماذا يكرهوننا، سيجد بضعة “خبراء” مختصين وأذكياء ليدعوا بأن العرب والمسلمين يكرهون الولايات المتحدة بسبب “قيمها” و “حضارتها” و “ديمقراطيتها” بينما الجواب هو المعايير المزدوجة التي تستخدمها في الدعم اللامتناهي لجرائم إسرائيل.
الدستور