تهمة «التجييش» الإعلامي، واحتكار الموقف الأخلاقي!
عمدت نقابة المعلمين في تصريحاتها وبياناتها المختلفة إلى تصنيف الانتقادات التي تعرض لها قرار النقابة بالإضراب في الأسبوع الأول من العام الدراسي بأنهها تمثل “تجييشا حكوميا” ضدها. نفس هذا الموقف تكرر من قبل بعض الزملاء الذين نكن لهم كل الاحترام والذين اتخذوا موقفا مساندا أو متفهما لموقف النقابة، وكرروا وصف المقالات الناقدة التي كتبها زملاء لهم بأنها “تجييش إعلامي”.
هذه واحدة من أكبر المشاكل التي تعاني منها الساحات الإعلامية والسياسية في الأردن منذ سنوات. لا نستطيع في هذا البلد إدارة اي حوار بطريقة ديمقراطية أو تنظيم اي اختلاف في وجهات النظر واحترام اسبابه إلا عن طريق ربطها بمؤامرات حكومية من جهة أو أجندات خارجية من جهة أخرى. موقف نقابة المعلمين بالإضراب اثار انتقاد الكثير من فئات المجتمع ومنها أولياء الأمور بالذات وكذلك فئات أخرى تعتقد بأنه ليس من السليم تربويا وضع الطلبة رهينة في مواجهة قد تبدو على أسس مهنية وحقوقية ولكنها في الاساس سياسية بين الحكومة وتنظيمات حزبية معارضة.
من حق بعض الكتاب والصحافيين أن يعبروا عن موقف ضد قرار النقابة نابع من أسبابهم الذاتية وتحليلاتهم والقناعات التي يحملونها بدون أن يتم اتهامهم بأنهم “ينفذون عملية تجييش إعلامي” ضد النقابة وأحيانا حتى ضد مهنة التعليم نفسها. من يتهم غيره بأنه ينفذ سياسة “التجييش” الإعلامي يحب أن يعتقد بأنه يملك موقفا أخلاقيا أسمى من حملة الرأي الآخر لأنه يقف ضد الحكومة وفي صف المعلمين أو الفئات الأخرى التي تقرر اتخاذ موقف الإضراب ضد سياسات وقرارات حكومية.
في كل حوار حول قضية وطنية تحتمل تعدد الآراء نجد أنفسنا في حالة تقسيم بين “معسكر التجييش الحكومي” في مواجهة “معسكر الأجندات الخارجية” أو “الاستقواء على الدولة” وتغيب القضية التي يتم النقاش بشأنها لتتحول المسألة إلى حفلة اتهامات والزعامة لمن يملك الصوت الأعلى أو المفردات اللغوية الأشد اتهامية.
لا ننكر وجود حملات منسقة أحيانا للترويج لموقف حكومي معين أو مواجهة معلنة لبضع جهات في المعارضة وهذا أمر نعاني منه في الإعلام ويستنزف الكثير من مصداقية الخطاب الإعلامي في الأردن ولكن ليس من السليم أخلاقيا تعميم هذه التوجهات على كافة القضايا التي نناقشها في الساحة السياسية والاقتصادية. الإعلاميون والكتاب والصحافيون هم عينة ممثلة للمجتمع الأردني وفيها اختلافات كثيرة في وجهات النظر والقناعات ولا يمكن القول بأن كل منهم يعبر عن موقف مساند للحكومة نتيجة حملة منظمة رسميا أو يعبر عن موقف مناهض للحكومة نتيجة حملة منظمة من المعارضة.
الدستور