تداعيات أسبوع دموي

تداعيات أسبوع دموي
الرابط المختصر

 

 

* السبت 31/10/، طائرة روسيّة تنفجر في الجو بعد إقلاعها من شرم الشيخ، إذ دُسّت فيها عبوة ناسفة، فيتحوّل ركّابها من السياح الروس المائتين وأربعين إلى أشلاء متناثرة فوق رمال شبه جزيرة سيناء! مَن فعل هذا؟ داعش.

 

* بعد أقلّ من أسبوعين، الخميس 12/11/، عملية انتحارية مزدوجة تضرب الضاحية الجنوبية من بيروت،

أحد مواقع حزب الله، فيسقط 43 قتيلاً مدنياً وأكثر من 239 مصاباً، بعضهم في حالات خطرة! مَن فعل هذا؟ داعش.

 

* لم يمض على تلك الجريمة سوى أربع وعشرين ساعة، وفي ليلة الجمعة 13/11/، مجموعة هجمات مسلحة على نساء ورجال في مقاهٍ ومطاعم في باريس، واحتجاز المئات من الناس داخل مسرح يستمتعون بالموسيقى بعد إطلاق نار عشوائيّ. تتدخل قوات الأمن، فيفجِّر أحد المهاجمين نفسه في أثناء تبادل النيران، فيُقتل أكثر من مائة إنسان– الحصيلة حتى كتابة هذا المقال بلغت 130 قتيلاً! مَن فعل هذا؟ داعش.

 

* الثلاثاء والأربعاء، 17-18/11/، أي بعد أربعة أيام، عمليتان انتحاريتان تضربان بشراً في أسواق مدينتين نيجيريتين، تكون حصيلتهما 46 قتيلاً وأكثر من 80 جريحاً. إحدى العمليتين قامت بها فتاتان تحملان حزاماً ناسفاً، عمر الأولى 18 سنة، والثانية 11 سنة! اندسّتا بين جموع من البشر في السوق لتتحولا، بعد تفعيل الحزامين، إلى موت موزَّع على العشرات في ذاك اليوم! مَن فعل هذا؟ بوكو حرام.

 

* الجمعة 20/11/، بعد يومين فقط (أي قبل يومين من نشر هذا المقال)، يتعرض فندق "راديسون بلو" في باماكو عاصمة مالي، لاقتحام مسلّح واحتجاز نزلائه الأجانب وسواهم الـ170 كرهائن. معركة طوال ساعات، ويتساقط القتلى ليصل إلى 27 بحسب إفادة للأمم المتحدة! مَن فعل هذا؟ المرابطون، إحدى أذرع القاعدة في غرب إفريقيا.

 

بين ليلة باريس ونهار باماكو أسبوع واحد!

باريس يوم الجمعة 13/11/، وباماكو يوم الجمعة 20/11. ما بين الجمعتين نيجيريا وبيروت، وما قبلهما الطائرة الروسيّة، وهناك المزيد مما تخفيه الأيام المقبلة.. أو ربما الساعات؛ إذ أكتب هذه الفقرة الساعة العاشرة و47 دقيقة ليلة جمعة باماكو. سأتوقف عن الكتابة لأعرف كيف أستكملها على إثر ما ستوفره الأخبار المتلاحقة حتّى صباح الغد!

*   *   *

 

لستُ خبيراً في شؤون التنظيمات الإسلامية لأتماهى مع الكثيرين من هؤلاء، المتنقلون بين القنوات الفضائية طوال ساعات كلّ حدث من هذه الأحداث. ولست كذلك ضليعاً في المسائل الإستراتيجية، أو صاحب أحد مراكز الدراسات السياسية والأبحاث العسكرية، ممن يطلون علينا من الشاشات، حتى أصبحنا على دراية مسبقة مما سيدلون به من آراءٍ ومعلومات. لقد حفظتُ كرّاسات الدروس الملقاة علينا، كغيري من المتابعين؛ تلك التي عُممت ويمكن تلخيصها بالنقاط التالية:

 

* الولايات المتحدة مسؤولة عن كلّ هذا "النبت الشيطانيّ" بتوفيرها لأسبابه الحتمية، بداية من أفغانستان بما يعني القاعدة، ثم العراق بما يؤدي إلى الزرقاوي، ثم عراق= المالكي الطائفيّ بجدارة، وسوريا= الدعم العبثي لتنظيمات مشبوهة والموّلدة لداعش وأشباهها. ناهيك عن ليبيا المتروكة لمصيرٍ كالح! أما الغرب الأوروبي؛ فكتلة رياء وسعي لعدم الإضرار الحقيقي بإفرازات "النبت الشيطانيّ" ما دامت مصالحها مؤمنة، وأمنها الداخلي ليس مهدداً (غير مبالية بعجزها توفير موجبات اندماج الجماعات المسلمة من مواطنيها، والإبقاء على تهميشها داخل الضواحي الفقيرة) مع الحرص على تكرار "لا حل بوجود الأسد" إلى أن اقتحمت روسيا المشهد بشروطها، فكان أن تجلّت اللغة الزلقة عبر تصريحات يدرك أصحابها كيف ينقلبون على سابقاتها! أما بعد أن ضُربت باريس الأوروبية؛ كان لا بُدّ من تبديل الأولويات!

 

* الأنظمة العربية كافةً، مَن تفككت دولها ومَن ما زالت محافظة على هشاشتها، تتحمّل المسؤولية الأولى عن توليد "النبت الشيطانيّ"، لعدم توفيرها الاستقرار والأمن الحياتيين لمواطنيها: بطالة تزداد بلا أقنعة، فساد يتمأسس بلا خَجَل، تدهوّر قياسيّ في التعليم ومخرجاته، مديونية فادحة تطيح بأيّ رجاء للخروج من دائرة الفقر الآخذة بمصائر أكثر شرائح المجتمع، الخضوع لاشتراطات البنك والصندوق الدوليين التي تُقْتَطَع نسبة من قروضهما لصالح "سماسرة" وطنيين ودوليين، وأخيراً: ترك التعليم التأسيسي ومناهجه التربوية الوطنية والدينية لـ"خبراء التعصُّب" و"فقهاء معاداة الفلسفة والانفتاح والحداثة"، إضافة إلى فضاءات المساجد المفتوحة على فتاوى تبذر الانقسام داخل المجتمع باسم الدين. كلّ هذا حدث وما زال يحدث في الخلاء الكامل من مشروعٍ وطنيّ اجتماعيّ جديّ، يتيح بارقة أمل في مستقبل أفضل.

 

إنها النقاط الكبرى في كرّاسات الخبراء والضليعين في شؤون العالم الذي يركض على حافة الخنجر الذي يقطر بالدم. إنها النقاط التي نعرفها، والتي حين ندقق في تفاصيلها المتشابكة، ندرك أننا داخل متاهات حقيقية كلّما فككنا عقدةً هنا تعقَّدَت خيوطٌ هناك! نيأس، ربما، لكننا (ولأننا ما زلنا نتحلّى ببعض السمات الإنسانية) نطرح سؤالنا الأول والأكبر: ماذا عن القتلى وتوزعهم على مدار ساعات اليوم، المنتثرة أشلاؤهم فوق جغرافيات العالم: الفقراء، الأبرياء، النبلاء، اللامبالون، الأشقياء، العشّاق، الفنانون، القساة، الطيبون، الأشرار، الكهول والأطفال والنساء والصبايا والشباب، إلخ. كلّ صنوف البشر الذين يموتون قتلاً مجانياً لا يدرون لماذا كانوا هنا في أمكنة القتل؟ ولماذا هُم الآن لحظة النسف وإطلاق الرصاص؟ وثمّة أسئلة أخرى كثيرة وحائرة، ربما ما زالوا يرفعونها للأعلى حيث رجاءات الرحمة، وربما تلقوا الإجابات عنها! ربما، ولكن ليست الإجابات كافية ما دامت شروط الموت الذي تلقوه قائمة لا تتزحزح، وثمة قتلى ينتظرون.

 

وتستمر وجوه الخبراء والإستراتيجيين والفقهاء تطلّ علينا، على مدار الساعة، وفي أصواتهم تتكرر صفحات الكرّاسات إيّاها. تتكرر من دون أن نلحظ تخصصاً في معنى هذا الموت، أو خبرةً بآلام الفجيعة الصامتة.

 

إلياس فركوح: كاتب وروائي. حاصل على جائزتي الدولة التقديرية والتشجيعية في حقلي القصة القصيرة والرواية.

أضف تعليقك