تخفيض أسعار الفائدة
تعكس خطوة البنك المركزي، يوم الإثنين الماضي، بتخفيض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، شعورا بالاطمئنان حيال المؤشرات النقدية والمالية، لاسيما أن القرار تزامن مع تفاقم الظروف الصعبة في العراق.
إذ ليس هيناً على مخطط السياسة النقدية اتخاذ مثل هذه الخطوة في ظل التوتر الكبير الذي ولّده تفجر الأوضاع في الجارة الشرقية؛ الأمر الذي يشي بأن عناصر الراحة وعدم الريبة تفوق الهواجس التي تولّدها الحال في العراق.
القرار يرتكز على مؤشرات تتعلق بمعدلات النمو المتوقعة، والتي تقدر بحوالي 3 % مع نهاية العام الحالي. والأهم من ذلك قيمة الاحتياطي الأجنبي القياسية والمريحة جدا، والتي تبلغ 14.2 مليار دولار، إلى جانب ثبات معدل التضخم وارتفاع حجم الودائع؛ الأمر الذي دفع "المركزي" إلى التفكير في ضرورة تحريك هذه الأموال في البنوك.
فأسعار الفائدة على الدينار تبقى مغرية إذا ما قورنت بمثيلاتها لدى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي، حيث لا تتجاوز 1.5 %، وبما يحفظ للدينار قيمته المضافة، ويدفع باتجاه الاحتفاظ به.
سياسة تخفيض أسعار الفائدة بدأت في العام 2013، بعد أن كان النهج معكوسا قبل ذلك. إذ عمد "المركزي" إلى زيادة أسعار الفائدة في العام 2012 بمقدار 75 نقطة إبان تصاعد نذر أزمة في ذلك العام، بهدف زيادة جاذبية الدينار كوعاء استثماري. فيما بلغ اليوم مجموع التخفيضات على أسعار الفائدة 125 نقطة؛ ما يعني أن التخفيض يفوق الزيادات خلال السنوات الماضية.
السؤال المطروح: لماذا يُقبِل البنك المركزي على قرار التخفيض، وما هو الهدف المرجو منه؟
ربما يسعى البنك إلى تحقيق غاية أساسية عامة، تتمثل في تخفيض الكلف على المقترضين، وبالتالي توفير سيولة أعلى بين أيديهم، يمكن إنفاقها باتجاهات أخرى تساعد على تحريك قطاعات التجزئة.
ولتحقيق هذه الغاية، يبدو لزاما على البنوك العاملة في السوق المحلية الاستجابة لقرار التخفيض، بتقليل أسعار الفائدة على المقترضين، حتى تستشعر الفئات المختلفة، أفرادا أو قطاعات اقتصادية، الإيجابيات المرجوة.
أما الغاية الثانية، والمترتبة على ما سبق، فتبدو في المساعدة على تحفيز النمو الاقتصادي، بتشجيع الإقبال على الاقتراض لإنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة، خصوصاً، تصب في نهاية المطاف في تحفيز النمو الاقتصادي الذي يخدم التوجهات الاقتصادية الحكومية، وخصوصا المالية منها.
"المركزي" قدم ما عليه، ليبقى الدور على البنوك بالاستجابة للخطوة. لكن التجربة التاريخية مع بعض البنوك في التعامل مع مثل هذه القرارات، تؤكد أن مثل هذه الاستجابة كانت معدومة أو محدودة، استنادا من تلك البنوك إلى قلة معرفة المجتمع بكيفية تعامل جمهور الزبائن مع الخطوة.
وتجنبا لمحاولات بعض المصارف التنصل من التنفيذ، فلا ضير من إطلاق حملة توعوية، ربما تبادر إليها جمعية البنوك، لتعريف المقترضين بالخطوات الواجب اتباعها للاستفادة من القرار، بحيث يتقدم المقترض بطلب خطي لإدارة فرعه لتخفيض أسعار الفائدة.
صحيح أن البنوك تميل دائما إلى فكرة زيادة أسعار الفائدة، وتعد متضررة من التخفيض؛ بيد أن عليها دورا في هذه المرحلة الصعبة اقتصاديا؛ تجاه الناس ابتداء، وتجاه الاقتصاد الوطني بشكل عام.
قرار "المركزي" يعكس ثقته بالاقتصاد، وهو على الأقل يقدم خطوات حقيقية للتخفيف عن الناس.
الغد