بعد التعديل تساؤلات تفرض نفسها

بعد التعديل تساؤلات تفرض نفسها
الرابط المختصر

فاجأ رئيس الوزراء الجميع بتوقيت التعديل الحكومي, فحتى وقت قريب كان الانطباع السائد ان الرفاعي لن يجري تعديلاً على حكومته قبل الانتخابات النيابية المقبلة. في الوسط السياسي قيل بان الرئيس سيؤجل التعديل الى اطول مدة ممكنة مما قد يمنحه فرصة اعادة تشكيل الحكومة بعد الانتخابات. لانه عادة, لا ترحل الحكومات قبل ان تمنح فرصة اجراء تعديل واحياناً تعديلين واحايين اخرى اعادة تشكيل حكومة جديدة.

اذن الرئيس اسقط هذا التحليل, بما يرجح تحليلاً آخر عن اسباب التعديل مثل القول بان استمرار وجود بعض الوزراء في حكومته اصبح عبئاً ثقيلاً عليه وعلى البلد. وان خروجهم, وللامانة القول, ان خروج بعضهم, سيلاقي ارتياحاً شعبياً قد يساهم في احتواء واستيعاب الاحتجاجات القطاعية, في عدد من مرافق الدولة, مثل المعلمين, والقضاة والمحامون وعمال الزراعة الخ. وكل هذا يريح الحكومة, في وقت هي بأمسّ الحاجة الى حالة مستديمة من الاستقرار من اجل انجاح العملية الانتخابية المقبلة.

على اي حال, وبعد تجاوز البحث في اسباب التعديل, رغم اهميتها, فان عدة تساؤلات تفرض نفسها منها:

"1" هل ستتراجع الحكومة عن القرارات التي صدرت عنها في ظل الاحتجاجات الاجتماعية. مثل مسألة احالة عشرات المعلمين على الاستيداع من بينهم اعضاء في اللجان التي شكلت في الجنوب للمطالبة باقامة نقابة للمعلمين. "2" هل ستعيد الحكومة النظر في فصل عمال المياومة في الزراعة الذين صدر بحق الناطق باسمهم علي السنيد قبل يومين حكما بالسجن من "أمن الدولة" مع وقف التنفيذ بانتظار تمييز الحكم "3" هل ستعيد الحكومة النظر في "آليات" تطبيق المدونة في العلاقة مع الاعلام, التي لم تؤد الغرض منها, بل اضرت بالاعلام والحكومة ووضعتهما في حالة سوء فهم دائمة!.

لا اعتقد ان الحكومة ستتراجع عن قراراتها السابقة بالجملة. ولا أتوقع ان تلغي القانون المؤقت الخاص باستقلال القضاء واصدار آخر بديل عنه. فلقد كان واضحاً خلال الشهور الماضية ان المسؤولية الجماعية لمجلس الوزراء ساندت ووقفت الى جانب هذه القرارات والقوانين والاجراءات التي اثارت احتجاجات بين فئات وقطاعات في الدولة.

لكن الحكومة قد تجد في التعديل فرصة ذهبية لمراجعة علاقاتها مع القطاعات المختلفة: "الاعلام, المعلمين, القضاة والمحامين, عمال الزراعة" واستبدال المواجهة, واحياناً اسلوب العصى والجزرة, بعملية انفتاح واسعة "باتجاهين" بين الحكومة ووزرائها وبين القطاعات الشعبية, من اجل احتواء الغضب المتراكم ووقف مسلسل التصعيد في الاحتجاجات, وارساء قاعدة للحوار ليس فقط من اجل خلق الوئام الاجتماعي عشية الانتخابات انما من اجل التراجع عن الاخطاء ان وجدت. فالتراجع عن الخطأ فضيلة, واشد هذه الاخطاء كانت عمليات الاستيداع بين صفوف المعلمين التي شملت نشطاء في لجانهم.

المشكلة المزمنة في الدولة, في عهد هذه الحكومة وما قبلها من حكومات هي وجود فراغ اعلامي يقطع سبل الحوار والتواصل بين المسؤولين والمواطنين حول سياساتهم وقراراتهم, هذه الحالة خلقت نوعاً من حوار الطرشان, التي بنيت على مفاهيم بالية, مفادها, "الحكومة تفعل دائما ما تشاء, وللمواطنين ان يقولوا ما يشاؤون (ولكن ليس دائما)".

اخيراً, التعديل لن يأتي بجديد ان لم تتغير ادوات التواصل مع الناس بلغة مقنعة, تنطلق من مفهوم ان الجميع في قارب واحد, وان مصالح الوطن هي بالاساس مصلحة المواطن.