انفلات الدين العام الداخلي

انفلات الدين العام الداخلي
الرابط المختصر

ارتفع حجم الدين العام الداخلي مؤخراً إلى أكثر من 13 مليار دينار بعد أن كان لا يتجاوز 3.7 مليار دينار قبل خمس سنوات.

فقد وجدت الحكومة مصدراً يسيراً للتوسع في الاقتراض الداخلي باللجوء إلى أخطر أدوات السياسة النقدية بتبني سياسة رفع أسعار الفائدة تدريجياً.

كنا في السنوات السابقة نتابع بقلق النمو المتسارع في رصيد الدين العام الخارجي باعتباره الظاهرة الأخطر في موضوع المديونية الأردنية، وباعتبار أن خطر الدين الداخلي يبقى أقل نسبياً كونه محرراً بالدينار الأردني، إلى أن فاجأنا البنك المركزي الأردني قبل اسبوعين بطرح سندات خزينة محررة بالدولار بقيمة 500 مليون دولار تستحق السداد بعد ثلاث سنوات، متعدياً على قانونه الذي ينص صراحة على ضرورة أن يجري أي بيع أو وفاء بالدينار الأردني الذي ينبغي كذلك أن يحرر به كل سند أو عقد أو كمبالية أو وثيقة أياً كانت إذا تضمنت دفعاً أو إلتزاماً مالياً.

نحن الآن أمام تطورات اقتصادية متسارعة ومؤرقة. إذ بعد أن جاوزت حدود المديونية نسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي المنصوص عليها في قانون الدين العام (النسبة الحالية تنوف عن 75%)، وتم تجاوز قانون البنك المركزي، بتنا نخشى مخاطر الدين العام الداخلي بنفس القدر الذي كان يستوقفنا عند الحديث عن تنامي الدين الخارجي. والمؤسف في كلا الأمرين أن شهية الاقتراض متزايدة وكأن هذه التطورات تحدث في بلد آخر، بل كأن الحديث عن المديونية أضحى مجرد تحذيرات من جميع الأطراف لا تؤخذ على محمل الجد في الوقت الذي تترنح فيه اقتصادات أكبر وأرسخ من اقتصادنا بعد أن تجاوزت خطوط المديونية الحمراء.

إن أخطار الدين العام الداخلي لا يمكن حصرها وتتبعها علمياً في مقالة قصيرة، ولكن يمكن القول في هذه العجالة أن الأثر التضخمي على الاقتصاد يبقى الأبرز بينها بعد أن اتضح أن السياسة النقدية لا تملك من خيارات سوى تبني سياسة أسعار الفائدة المرتفعة بما تحمله من انعكاسات سلبية على المتغيرات الاقتصادية الكلية وبما يساهم في تعميق الاختلالات بين هيكل أسعار الفائدة المحلية والدولية بأكثر مما هي عليه حالياً وهو ما لا ينسجم مع هدف دعم استقرار سعر صرف الدينار إذا أردنا التمسك بربط سعر الصرف بالدولار.

يمر الاقتصاد الأردني حالياً بمرحلة يمكن تسميتها بمرحلة (تفضيل السيولة) لتراجع الميل الحدي للإستثمار، وهو ما انعكس على زيادة حجم الودائع وارتفاع أرصدة السيولة الفائضة لدى البنوك والمودعة لدى البنك المركزي بنحو 40% عما كانت عليه قبل عام. وها هي البنوك تتسابق في الاكتتابات المتلاحقة والسريعة من إصدارات سندات الخزينة، حتى أن الإصدار الأخير الذي تم في نهاية الاسبوع الماضي بقيمة 75 مليون دينار قد ارتفعت نسبة التغطية بالاكتتاب به إلى 175% مسجلة إرتفاعاً بواقع 75% بالمقارنة مع مستوياتها المسجلة في نهاية العام الماضي. والملفت الانتباه أن سعر الفائدة على ذلك الإصدار سجل مستوى قياسياً بلغ 8.6%.

وإذ ندق اليوم ناقوس الخطر من انفلات الدين العام الداخلي، فالأجدر أن يتم إعادة النظر في سياسة إدارة هذا الدين بهدف ضبطه من جهة بما يراعي تناغم السياستين النقدية والمالية، والتوقف عن إصدار أيّة سندات محررة بالدولار مستقبلاً ومراجعة نهج سياسة أسعار الفائدة المرتفعة من جهة أخرى.

لا يمكن الاستمرار في غض النظر عن هذا الانفلات في المديونية. ولا يمكن بعد اليوم قبول إصدارات السندات الدولارية تحاشياً "لدولرة" الاقتصاد. ويجب ألا ننسى أننا منذ أكثر من عشرين عاماً نربط سعر صرف الدينار بالدولار وإنه من الخطورة بمكان أن نسمح لهيكل أسعار الفائدة المحلية بالإرتفاع إلى هذه المستويات القياسية بالنسبة لهيكل أسعار الفائدة على الدولار إذا أردنا فعلاً المحافظة على ثبات سعر الصرف، وهو موضوع على غاية من الأهمية يستحق وقفة تحليلية متعمقة أخرى.

أضف تعليقك