الورقة الأولى ... المنهج والنهج
لا تحتمل ورقة الملك الاولى الا قراءة واحدة اعتمادا على منطوق الورقة نفسها , قراءة سياسية , خالية من ظلال الكاتب نفسه , فالملك طرح افكارا على طاولة الحوار الوطني تفترض نقاشا جماعيا وتنتظر الاراء بشأنها , اراء قابلة للنفاد الى الاعلى والى الادنى وتستهدف تثقيف الحالة الحوارية نفسها , ومن هنا وَجب الابتعاد عن ظلال الكاتب الذي اراد بطرح الاوراق الى طاولة الحوار انتاج سجال وطني يُفضي الى اختلاف بوصف الاختلاف يُنتج معرفة في حين ان الخلاف يُنتج قطيعة او جدرانا بشرية لا تسمح بتداول المعلومة والرأي ويتطرف احيانا ويصبح علما كلاميا خالصا وتراشقا لفظيا يبتعد عن ساحة التطبيق وهي ساحة الاختبار الوحيدة للافكار .
تنطلق الورقة من حقيقة الاختلاف وضرورته ومن حقيقة ان الواقع التطبيقي هو مكان الاختبار , فهي ورقة اكاديمية بالمعنى النظري وهي ورقة مهنية بالمعنى التنفيذي , ومجال نقاشها سيفضي الى اختبار الافكار في مختبر الذاكرة الشعبية ولكن بعين المستقبل , فالذاكرة جزء من الوعي ويجب ان لا تكون قيدا او محاولة للاستنساخ ولذا نطالب بعين المستقبل , فالمرحلة الحالية مرحلة حوار بامتياز كما يقول الملك في ورقته الاولى , حوار افقي بين المكونات المجتمعية حول شكل البرلمان القادم ومواصفات المجلس النيابي وحوارات عامودية مع المرشحين لاستكشاف مدى مشروعيتهم وصدقيتهم في حمل الافكار المجتمعية او التعديل عليها او رفضها , فالخيارات كلها مطروحة والعار الوحيد ان يمارس المرشح التدليس على الناخب او ان يمارس التّقيا , فيوافق في مرحلة الترشيح وينقلب في مرحلة النيابة كما حصل في برلمانات سابقة .
وبتفصيل منهج الورقة , فهي تطالب ان يعود “ المواطن / الناخب “ الى الذاكرة السياسية فيستحضر السلوك السابق ويبني عليه فإذا لم يتوافق مع ارادته , يلجأ الى عين المستقبل لاختيار جديد من المرشحين تقول سيرته السابقة انه يحمل منهجا ولديه نهج لتطبيق المنهج , وافتقار اي مرشح لثنائية النهج والمنهج يفترض ان تُخرجه من المنافسة والسبق , لان المسافة المطلوب قطعها وطنياً , مسافة تحتاج الى نهج ومنهج او تكنيك وتكتيك , تكنيك نظري وثقافي للسير وتكتيك في اختيار السرعات والكوابح لضمان سلامة الوصول .
الورقة الاولى وضعت نهجا للوصول وهو الحوار الافقي والعامودي دون سقوف للحوار ودون اشتراط النتائج , ووضعت منهجا تلخّص في نقاط اربع اولها احترام الرأي الاخر , وهنا يَفترض الملك ابتداءً, ان ثمة رأيا اول مؤيدا واخر مخالفا , وهنا احد اسرار نجاح الورقة او توفير فرصة النجاح لما تطالب به من حوار ثنائي الابعاد وربما تكشف الاوراق اللاحقة ابعادا اضافية , والاحترام يعني اولا قبول الرأي على مستوياته الثلاثة “ التأييد او المخالفة او التحفظ “ , دون مدح المؤيد او شيطنة المخالف او اتهام المتحفظ بالجبن , او تخوين المؤيد او كيل الاتهامات له , واغداق المعارض بكل اوصاف البطولة والضغط على المتحفظ وعدم منحه الوقت الكافي للتفكير وتحديد الموقف .
ثانية النقاط , ثنائية المواطنة وواجب المساءلة , ولا يجوز فصل الثنائية , وإن كان الترتيب هنا مقصودا , فالاولوية للمواطنة بمعنى الحقوق , وتاليا المساءلة وتعني الواجبات , وهذا نهج الدول التي تسعى الى تكريس احترام الحقوق وتقديمه على الواجبات , فالحقوق اولا ثم الواجبات والمساءلة اذا حدث التقصير او الخلل ,وهنا يأتي الحديث عن تجويد الاختيارات امام المواطن وضمان سيرورتها حتى يكون هو المسؤول عن خياراته طوعيا ثم يستوجب المحاسبة على سوء الاختيار .
النقطة الثالثة وهي ثنائية عكسية للثنائية السابقة , فالافتراق مرفوض حتى في حالة الاختلاف , لان المطلوب هو التوافق , وهذا لا يأتي بالافتراق وادارة الظهر وهو عملية سياسية وثقافية معقدة وتتطلب جهدا ومنهجا يقبل بالالتقاء في منتصف الطريق ولا يقبل التمترس , وينتقل الحوار الى الشارع على شكل تظاهر او اعتصام حال رفض التوافق وليس رفض مطالب هذه الجهة او تلك , وتتطلب الاعتراف بمخرجات العملية الانتخابية بل والإذعان لها .
اخر النقاط كانت ادوات القياس ومسطرة النجاح , فالمدخلات السابقة ان توفرت ويجب ان تتوفر لكل مجتمع حي وراغب في مواكبة الحياة وديمومتها , ستوفر المخرجات لمجتمع متجذر الثقافة والوعي وله بصمة على وجه الحضارة البشرية ويدير اختلافاته بديمقراطية وامانة ويسر .
الورقة الاولى ورقة فرشت الارضية المنهجية لشكل التعاطي والقراءة مع الاوراق القادمة وأظنها وضعت ارضية عادلة للحوار تمنح الجميع فرصة متساوية لابداء الرأي وتجميع النتائج لتكون الخاتمة بتوافق جمعي فالتوافق هو المطلوب لادارة الدولة وسياستها وليس الاتفاق , فنحن مجتمع فيه كل الوان الطيف الفكري والسياسي وفيه كل الفسيفساء الديمغرافية التي ان توافقت ستشكل لوحة ولا اجمل .
الدستور